صفقة القرن تصفية لا تسوية

آراء 2020/02/01
...

د.مصطفى الناجي *
 
تمر القضية الفلسطينية بمنعطف آخر لا يقل خطورة عن  سايكس بيكو 1917 ووعد بلفور 1917 واعلان الدولة العبرية 1948 وحرب حزيران 1967 مرورا  بحرب  1973 واتفاقية كامب ديفيد 1979 والاتفاقيات الثنائية بين الاردن والسلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني ..ثم الانتفاضات الفلسطينية منذ 70 عاما. وصولا الى اتفاقية اوسلو 1993 الى اعلان (صفقة القرن )
2020.
وباعلان الصفقة الأخيرة يصبح "مشروع السلام" منتهي  الصلاحية حسب بنود الصفقة، التي تصادر كل ما يمت للصلة بفلسطين وتستعيض عنها بجسور وبرامج تنمية واقتصاد مفترض ...وسيادة كاملة ليس على القدس فقط، بل على كامل الأراضي العربية برا وبحرا وجوا . ويبدو أن دونالد ترامب يجلس وحيدا على خشبة المسرح ليتفاوض مع نتنياهو نيابة عن الفلسطينيين.. تلك الصفقة التي صفقت لها علنا سلطنة عمان والإمارات والبحرين التي أوفدت سفراءها الى البيت الابيض لإعلان دعمها لتلك الصفقة المشبوهة... مع صمت للعدد الاكبر من الدول العربية باستثناء العراق والاردن وسوريا . (صفقة القرن) التي تصادر ما تبقى من عروبة فلسطين، تلوح في ذات الوقت باستثمارات ب50 مليار دولار لتغطية الدعم المالي، لهذه الصفقة، والمفارقة أن هذا المبلغ ستدفع معظمه عواصم الرياض وابو ظبي والمنامة ومسقط!!
وبينما يُبشر غاريد كوشنير  العرب "بأن (إسرائيل)  قدمت تنازلات كبيرة بموجب الخطة الأميركية حين وافقت على تجميد بناء المستوطنات لمدة أربع سنوات "!!! فإن  بعض القيادات الأميركية تعي خلفيات هذه الصفقة وتمتلك شجاعة أكثر ممن قبلها من العرب .اذ علّق مارتن إنديك مساعد وزير الخارجية الأميركية الأسبق ومبعوث السلام  على ما حدث بالقول "تصميم ترامب على إعلان صفقة القرن قبيل الانتخابات  من دون طرف فلسطيني دليل على أنها ليست خطة سلام؛ بل لعبة هزيلة من بدايتها لنهايتها". ترامب لا  يراهن على الاقتصاد والدعم العربي لهذه الصفقة كعاملين حاسمين فقط، بل وعلى احلال السلام في عموم الشرق الأوسط، بشروط تضمنتها الصفقة ترتكز جميعها على عنصر الامن الذي سيكون بسيادة صهيونية على كامل الملف، فنزع سلاح حماس كليا، وتسيير الطائرات وابراج المراقبة والمناطيد في غزة والضفة وغور الاردن، ومراقبة المياه الإقليمية وغيرها تسير جنبا الى جنب خطة تشمل حتى مناهج التعليم التي تنص الاتفاقية على تشذيبها من التحريض على الاستشهاد وتمجيده !! بل واعادة النظر بكل الموروث المتعلق بثقافة العروبة والنظرة تجاه الكيان الصهيوني . الصفقة تضمنت -ايضا- ان تكون القدس عاصمة للكيان الغاصب، واما عاصمة فلسطين فبإمكان العرب ان يختاروا مكانا آخر خارج القدس مع السماح لهم بإطلاق التسمية نفسها على عاصمتهم!! وبينما تعقد الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب بطلب من العراق اجتماعا استثنائيا للنظر بشأن الرد على تلك الصفقة .يبقى المشهد السياسي العربي وكأنه منفصل تماما عما يدور على الأرض الفلسطينية، فالشارع العربي لا يُراهن  كثيرا على قيادته السياسية، ويدرك  بألم أن الحواضر العربية ـ القاهرة، بغداد، ودمشق ـ قد استُنزفت بصراعات وحروب وانقسامات، والخليج خاضع للسيطرة والابتزاز الاميركي، وإن كان من فعل يُنتظر للمواجهة فهو فلسطيني بامتياز .
*باحث واكاديمي