كلّما اشتدّت ملامح أزمة في البلد، وكلّما ألقت بظلالها على مفاصل حياة المجتمع، وارتفعت أصوات الاعتراضات الجماهرية، لوّح بعض الساسة بالمطالبة بحكومة إنقاذ وطني، أو حكومة طوارئ! وأحسب أنّ كلا الحكومتين يصح لهما أنْ تكونا في بلد غير العراق، ذلك لأننا في بلد تأتي حكومته عبر صناديق الاقتراع، لكنها سرعان ما تصطدم بالتوافقات السياسية التي تسبب التلكّؤ في الخدمات والأداء. مع ذلك، فالحكومة المنتخبة لا يصح معها التفكير ببديل غير خاضع للاختيار الشعبي، والاختيار يتم بالانتخابات.
ومع نسبة المقاطعة التي شهدتها الانتخابات الأخيرة، ومع ارتفاع نغمة أصحاب الإنقاذ الوطني أو حكومة الطوارئ، نجد أنّ المطالبين هم أنفسهم من بين الفائزين في الانتخابات، فالإنقاذ والطوارئ لهما أن يكونا في بلد غير منسابة فيه عملية التصويت، لذلك أرى أنّ من الأفضل والأهم للجميع الإسراع بتشكيل حكومة استجابة، وهي حكومة تشكّل من معطيات الاستحقاق الانتخابي، لكنها يجب أن تختلف عن سابقاتها بأن تشترط على نفسها إنقاذ الشعب من الحال المزرية التي وصل إليها، بدءا من تردي الخدمات في جميع مفاصل الحياة وليس انتهاءً بتفشي الفساد في أغلب المفاصل الإدارية التي تلامس مصائر الناس ومقدراتهم.
حكومة الإنقاذ المجتمعي، أو حكومة الاستجابة، بإمكانها أن تعيد معنى المواطنة لكل مواطن خرج محتجا، وتعيد للأستاذ الجامعي هيبته بعد أن تعيد للجامعة دورها في قيادة المجتمع، فليس من المعقول أن تغيب الجامعة عن تشكيل الرأي العام التوعوي بينما يتسيد أصحاب النوايا المشبوهة صفحات التواصل الاجتماعي ليشكلوا رأيا عاما مشوها لا يكترث للحرائق التي قيدت ضد (التماس الكهربائي) على الرغم من شحة الكهرباء أو انعدامها، وليس من المعقول أن يسكت الطبيب ويغيّب صوته ولا يعترض على رداءة المستلزمات الطبية أو سوء الخدمات. نريد حكومة تنقذ الشعب من مخلفات السياسات التي صنعت رأيا عاما أعرج، يميل لأصحاب النفوذ، نريد حكومة تسأل وزارة التربية عن أسباب التراجع والتدني في المستوى العلمي.
بقي أن نتمنى أن نرى حكومة تعيد حبل الوصال بين المواطن والمسؤول، وتحفظ للمواطن هيبته وكرامته في دولة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، لذلك لا بدّ للحكومة القادمة أن تكون حكومة استجابة لكل المطالب التي نادى بها المحتجون، وقتذاك سنكون حققنا الإنقاذ الوطني والشعبي ولا نحتاج للطوارئ حين لا نأتي بطارئ على الأداء الإداري المفصلي لمؤسسات الدولة.
لقد مرت البلاد بمنعطف خطير، وما زال هاجس عدم الثقة يجول في نفوس المحتجين، وأي تأجيل أو إطالة أمد هو استنزاف لكل مقدرات البلاد، وما دمنا قدِ اقتربنا من الحل فليكن حلاً مقنعاً، كي تلتفت المؤسسات لمعاودة نشاطها.