الفراغ الذي يتركه المتظاهرون للمثقف والسياسي

آراء 2020/02/04
...

محمد خضير سلطان
 
هل يمكننا القول بأن الأوساط الثقافية والسياسية العراقية، قد صدمت بعد الظاهرة الجديدة في مجتمعنا متمثلة بالحراك السياسي الشعبي في ساحات التظاهر منذ تشرين الأول/ أكتوبر من العام المنصرم وحتى هذه اللحظة غير المسبوقة في تاريخ بلادنا الحديث، إذ لم يحدث أن يشهد شارعنا السياسي استقطاباً للجمهور بهذا المستوى من الديمومة والعدد والاصرار، وذلك المسار من الثبات والتنظيم السلمي والصبر والتخطي في مواجهة بعض المشكلات المعيقة سواء المخلة بالسلمية وجعلها على مستوى محدود من عدم التصعيد والتوتر بين المتظاهرين، أو ما يسقط من ضحايا وجرحى كأنهم ثقاب نار خضراء في مواقد دائمة الحضور والتوهج؟
 
لم نشهد جموعا أحادية الجذور الدينية والانتماء الجغرافي، تلقي هوياتها الفرعية بعيداً وتنشىء طريقا جديدا ممهدا إلى لغة بحاجة الى الإستنطاق، لم نألف وعياً مباغتاً جلّه حركات حية سريعة في اثر الدخانيات وردود أفعال نبيلة إزاء مجابهة السلطة وايماءات وهتافات محمولة على بلاغة فعل ورمز ولعب وفلكلور بتشكيلات صورية وصوتية متعددة أكثر من أن تكون أبجدية واضحة في إطار ثقافي تنطلق منه بل العكس، ولأول مرّة تأتي بلاغة الفعل السياسي الثائر الذي يروم أهدافه بلا لغة خطاب مباشرة او أصوات لفظية معبرة عنه ومتماثلة معه.
كأن مفاهيم العوامل الموضوعية وصيرورة الكائن السياسي كما اعتدناها في السياق الفكري الغربي، تندحر أمام تاريخية محدّثة للجموع الهاتفة وتخاطب مثقفاً من نوع ما جديداً لتحمله على تحليل خطاب آخر، في ما قبل زاوية النظر 
السائدة.
الآن، أحرى بالمثقف أن يبحث عن زاوية نظر جديدة خارجة عن السياق المفاهيمي الغربي حيث لا يوجد لدى المحتجين دافع ايديولوجي منظّم، لا طليعة، لا نخب دافعة، لا مدى نقابياً أو رأسمالياً مصنعاً، ليس هناك سوى الأثقال المريرة لسوء الخدمات واللغة السياسية البسيطة المعبر بها عن تواصل عميق، ليس سوى المغذي المرجعي الديني الروحي في مداه الوطني والفضاء التقني في وسائل الميديا والتواصل الاجتماعي فضلاً عن جماليات التعبير في فنون البيئة على الجدران والأقنعة والمسرح والموسيقى بوصفها مشاركات عفوية الغاية منها ترسيخ أهدافها الإعلامية.
وهنا يأتي الفراغ الذي تركته الظاهرة للمثقف لكي يملأها لفظاً ومعنى، أو يتصدى الى تفسير الرموز واستجلاء الغموض الى أقوال، وهي الفرصة الوحيدة ربما التي تجعلنا بحاجة الى تحويل الأفعال الفصيحة الى كلمات 
دقيقة.
• علينا مثلاً تحديد توقيت حدوث الفعل في مضماره التاريخي والسياسي.
• علينا مثلاً تفسير البنية الأساسية للاصرار في استمرار التظاهر وتفسير نواة الدم الاستشهادية التي طالما يذكّر بها المحتجون لبلوغ
 الهدف.
• علينا مثلاً أن نبتكر للسلطات طريقاً ثقافياً وفكرياً معجلاً لتنفيذ مطالب المحتجين لا أن نطالب مثلهم وعلى طريقتهم المباشرة وننسى دورنا المباشر.
• كيف نسعى الى أن تغدو الاحتجاجات تنظيماً في المجتمع السياسي 
العراقي؟ 
نعتقد أن المثقف والسياسي في بلادنا، أمسى في حَيرة من أمره في أن يسيطر على أفكاره ويقول شيئاً ما حقيقياً للتعبير عن وجوده وقراره الثقافي والسياسي بالصورة الواضحة والدقيقة التي من الممكن أن يحدد فيها موقعه الابداعي والتاريخي من الظاهرة الجديدة ويبّين صوته الاحتجاجي الموازي وفي ما عدا القليل جداً من المثقفين والكّتاب الذين كتبوا ما يمكن الاعتداد به لتحليل الوضع، جاء الآخرون بالمنبريات نفسها الشعارية والإذاعية المجترة في ما صمت آخرون بما يُشبه الاصابة بالعي من هول الواقعة فضلاً عن أن البعض الأقل، تحدث صراحة بعدم الانحياز والوقوف من الضد منها.
إذاً، ماذا يفعل المثقفون والسياسيون في الفراغ الذي يتركه لهم  المحتجون؟