حان الوقت لرحيل المحتل الأميركي من العراق

آراء 2020/02/04
...

* باول بيلار
ترجمة: بهاء سلمان
أتذكرون كيف باعت إدارة الرئيس جورج بوش الابن حربها العدوانية في العراق، التي بدأت قبل سبعة عشر عاما؟ لم يكن الأمر يتعلّق فقط بأسلحة الدمار الشامل والتحالف الخيالي مع المجاميع الارهابية، بل كان من المفترض كذلك أن تجلب الحرب نعمة الحرية والديمقراطية الى شعب العراق، الذي سيكون شاكرا الولاياتَ المتحدة على إسقاط حكم الطاغية. لم تكن الحرب معدة فقط لتكون محاولة تتبع الأهداف الأميركية مقابل نظيراتها العراقية، لكن تبرز تضحيات وإيثار أميركي لمصلحة العراقيين.
ومهما كان شعور العراقيين بالعرفان، مع هذا، سرعان ما تخللته أحاسيس أكثر سلبية، فقد جوبهت القوات الأميركية بتمرّد متعدد الأوجه أكثر مما قوبلت بالورود والحلويات، وشمل ذلك التمرّد حربا أهلية طائفية أطلقها الغزو الأميركي، علاوة على معارضة مسلحة لما أعتبره الكثير من العراقيين احتلالا 
عسكريا.
اليوم، وبعد إدارتين رئاسيتين، صار الوضع أكثر وضوحا من أي وقت مضى، فالحضور العسكري الأميركي في العراق، بواقع الحال، يعد احتلالا؛ فعلى الرغم من تواصل إدارة ترامب بتوظيف فن الخطابة حول مساعدتها الشعب العراقي، فهي تضادد بشكل فاعل ما صار يمثل المشاعر العراقية السائدة، كما صرحّت به الحكومة والبرلمان العراقيان، بوجوب مغادرة القوات الأميركية. 
وذهب الرئيس ترامب كثيرا في تهديد العراق بفرض عقوبات عليه إن لم يرضخ للتواجد المتواصل للقوات الأميركية على ترابه. 
وتحرّكت الإدارة الأميركية لتوجيه تهديدها من خلال تحذير العراق من نيّتها عدم تمكين البنك المركزي العراقي من الوصول إلى حسابه داخل نظام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إذا استمرت بغداد بالدعوة الى رحيل القوات الأميركية.تعد الاحتلالات العسكرية الأجنبية، على الأغلب، أمرا 
سيئا. 
وعموما، من السيئ للولايات المتحدة أن تكون دولة احتلال، فهناك، على أقل تقدير، التكاليف المالية المباشرة لإدامة مثل هذا الحضور ضمن أراضٍ أجنبية، ومن الممكن أن تصير القوات الأميركية، كذلك، هدفا لقوى أجنبية غير صديقة، كما حصل من هجمات صاروخية إيرانية قبل عدة أسابيع على قواعد أميركية مأهولة في العراق. وبأقل التقديرات المحتملة، حصول مقاومة ضارية من عناصر محلية تعارض الاحتلال الأجنبي. أخيرا، تبعث مثل هذه الترتيبات برسالة غير مفيدة لدول أخرى حول مدى عدم اكتراث الولايات المتحدة لرغبات ومصالح البلدان التي تدّعي 
بمساعدتها.
لا تزال القوات الأميركية في العراق، بشكل ظاهري، للمساعدة في محاربة عصابات "داعش" الاجرامية. لكن منذ بدء التصعيد الأخير للمواجهة الأميركية مع إيران، لم يتم إبداء مثل هذه المساعدة، فقد تم تعليق العمليات المناوئة لـ"داعش"، وتعمل القوات الأميركية على تجميع نفسها لحماية 
أفرادها.
إن فرض تواجد عسكري أميركي مناهض لـ"داعش" ضد إرادة حكومة عراقية ممانعة يتجاهل كيف أن أي ظهور جديد لدولة "داعشية" صغيرة سيمثل تهديدا للعراق أكبر من كونه تهديدا للولايات المتحدة، وهذا ليس وضعا من الذي ينبغي فيه أن تكون المخاطر الموجهة تحديدا ضد الولايات المتحدة تتجاوز المشاعر والمصالح الخاصة بحليف 
محلي. 
بالنسبة الى عصابات "داعش" الارهابية، فإن إقامة وإدامة ما يسمى بدولة الخلافة في الشرق الأوسط كان يمثل بديلا لعمليات إرهابية ما وراء البحار، أكثر من كونه متمماً لمثل تلك 
العمليات. العائق الأكبر لتجدد عودة "داعش" في العراق سيكون نظام الحكم الجيّد والاستقرار في السياسة العراقية، والقوات الأميركية لا تساهم بمثل تلك الأهداف، فعوضا عن ذلك، ومن خلال جعل العراق حلبة صراع مع إيران، يغذي التواجد الأميركي أنواعا من عدم الاستقرار والتوترات الطائفية التي تجعل من العراق ميدان تحركات مفضلة لدى الدواعش. علاوة على ذلك، صارت حالة مقاومة الاحتلال الأجنبي تقليدا أحد أكثر الدوافع الرئيسة
 للإرهاب.
ويظهر الاصرار المتعنّت الحالي للإدارة الأميركية ببقاء قواتها في العراق عيّنات ضارة من التفكير، وهي تبيّن أن كمّاً هائلا من العقلية التي أدت إلى حرب العراق، وهي على الأرجح الغزوة الأميركية الأكثر تضليلا وضرراً في الشرق الأوسط على الإطلاق، لم تتبدد للآن، رغم التكاليف الباهظة والإخفاقات الكثيرة لتلك الحرب. 
كما تظهر هذه الحرب غطرسة السلطة، مع عمى واضح للعيان لكيف أن ردود الأفعال المثيرة للاستياء لبعض ممارسات تلك السلطة عززت حالة الإضرار بالولايات 
المتحدة.
وتعادل تلك الحالة، على نحو خاطئ، بين النفوذ الأميركي مع التواجد العسكري، وهي تتضمن سوء فهم مصادر التهديدات الارهابية وما هو مطلوب لتقليص تلك 
التهديدات. 
تمثل حرب العراق مثالا آخر لكيف يؤدي هوس الإدارة الأميركية برفع مستوى الصراع مع إيران بها الى تجاهل أو اساءة فهم الكثير من الحقائق المهمة للغاية بالنسبة للمصالح الأميركية. 
في هذه الحالة، الأمر الأكثر تجاهلا هو الطبيعة المعقّدة للعلاقات العراقية الإيرانية، فكلا الطرفين يريدان علاقة مستقرة، وحتى ودية، لأن كلا البلدين لا يرغبان بإعادة حربهما المدمرة التي جرت خلال ثمانينيات القرن الماضي. بيد أن العراقيين لا يريدون هيمنة إيرانية بعد الآن، كما هي رغبتهم حيال الهيمنة 
الأميركية.
لكل جميع تلك الأسباب، ينبغي انتهاء الاحتلال الأميركي للعراق، وينبغي عودة القوات الأميركية الموجودة هناك الى 
الديار.
 
 
*باول بيلار. محرر مساهم في مجلة ناشيونال انترست.