بريطانيا والاتحاد الأوروبي.. ماذا سيحدث بعد الانفصال؟

اقتصادية 2020/02/04
...

بروكسل / كاظم الحناوي
 
لا شك أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو أحد أكثر الأخبار متابعة من الأحداث الاقتصادية و السياسية في بداية هذا العام، بعد الانفصال في 31 كانون الثاني 2020 . إذ كانت نتائج الخروج متوقعة، ولم تشكل ضجيجا كبيرا في الأسواق العالمية و خصوصا في الاقتصاد الأوروبي، رغم أنه أحدث تحركات و تقلبات في أسعار العملات في البورصة و خصوصا الجنيه الاسترليني مقابل سلة العملات الأجنبية. رسميا تم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد 1331 يوما من قرار البريطانيين مغادرة الاتحاد الأوروبي.
 
مبدئيا ستستمر التبادلات اليومية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كما كانت من قبل حتى نهاية العام 2020. خلال هذه الفترة الانتقالية التي تمتد 11 شهرا، ستتفاوض لندن وبروكسل حول علاقتهما المستقبلية، لكن بعض التغييرات العملية ستحدث بين الحين والآخر. خسر الاتحاد الأوروبي، لأول مرة، دولة عضو، والتي تعد واحدة من أكبر وأغنى الدول في الكتلة، مع رحيل 66 مليون نسمة، يرى الاتحاد الأوروبي أن عدد سكانه انخفض من 446 مليون الى 380 مليون .
 
ماذا عن المؤسسات؟
في بروكسل، يؤدي الانسحاب إلى تغيير حقيقي للغاية؛ المملكة المتحدة تغادر الاتحاد الأوروبي وتصبح دولة ثالثة وبالتالي لن يشارك 73 من أعضاء البرلمان الأوروبي المنتخبين في شهر أيار، وسيتم تخصيص 46 مقعدا للدول الأعضاء في المستقبل وإعادة توزيع 27 مقعدا.
لم تعد لندن مؤهلة لتقديم مرشح لمنصب المفوض الأوروبي، لم يكن هناك بالفعل ممثل بريطاني في السلطة التنفيذية الأوروبية، ولم يعد رئيس الوزراء البريطاني مدعواً لحضور مؤتمرات القمة الأوروبية، كما لم يحضر أعضاء الحكومة الاجتماعات الوزارية.
و كمواطنين من بلد أجنبي، لم يعد بإمكان البريطانيين المطالبة بمناصب عامة في بروكسل. الكثير من البريطانيين اكتسبوا الجنسية المزدوجة من أجل البقاء. من ناحية أخرى، ستواصل المملكة المتحدة، ثاني أكبر مساهم في ميزانية الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا، الدفع حتى نهاية الفترة الانتقالية.
 
حقوق المواطنين
وفقا للأمم المتحدة يعيش قرابة 1.2 مليون مواطن بريطاني في دولة من دول الاتحاد الأوروبي، خاصة في إسبانيا وإيرلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ووفقا لمكتب الإحصاء البريطاني يعيش 2.9 مليون مواطن من دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين في المملكة المتحدة أو قرابة 4.6 بالمئة من السكان.
وبموجب اتفاقية الانسحاب، فإن المغتربين الذين انتقلوا إلى جانبي القناة قبل نهاية الفترة الانتقالية سوف يحتفظون بحقوقهم في الإقامة والعمل في البلد المضيف.
يجب على المواطنين الأوروبيين المقيمين في المملكة المتحدة التسجيل للاستفادة من هذه الحقوق، بالنسبة للبريطانيين الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي، تختلف الإجراءات من بلد إلى آخر، سيتم تطبيق حرية التنقل حتى نهاية ديسمبر 2020، وسيتم التفاوض على تفاصيل الحقوق المتبادلة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
 
اتفاق الانفصال
مع انسحاب بريطانيا، تبدأ مرحلة صعبة من المفاوضات بين الطرفين، تتعلق بالاتفاق التجاري المستقبلي بينهما. بالطبع هناك خسائر لكلا الطرفين من القرار البريطاني الذي اتخذ بناءً على استفتاء الانسحاب، وهناك مصاعب كبيرة على صعيد التفاهم بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وستبقى الحال على ما هي عليه بين الجانبين حتى نهاية العام الجاري، وهي الفترة التي من المفترض أن يتم فيها إنجاز الاتفاق التجاري بينهما. لكن المعطيات تشير إلى أن هذه الفترة لن تكون كافية للوصول إلى اتفاق، فهناك تداخلات وتشعبات كبيرة بين الطرفين، فضلا عن أن كلّاً منهما يسعى إلى الحصول على أفضل اتفاق له، وهذا يعني اختلافات كثيرة فالحكومة البريطانية الحالية تلتزم بقوة بالجدول الزمني، وهذه الحكومة مندفعة بكل ما لديها من قوة لإتمام الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بأي 
ثمن.
وهذا سيعيد أجواء التوتر بين الطرفين التي سادت خلال المفاوضات الطويلة حول اتفاق الانفصال الذي نفذ على الورق فقط. منذ البداية لم يرغب الاتحاد الأوروبي، خصوصا الدول الكبرى، فيه أن يتم الانسحاب البريطاني أصلا. فهذه الكتلة الضخمة تعتمد أساسا على دعم القوى الكبرى فيها، وبريطانيا إحداها، الأمر الذي سيؤدي اعتباراً من بداية العام المقبل إلى عجز في ميزانية المفوضية الأوروبية، وبريطانيا ستتعرض بالطبع لخسائر في مطلع العام 2021 إذا ما تم الخروج النهائي من دون اتفاق، فهناك دعم مالي أوروبي للمملكة المتحدة وهذا الدعم ستخسره البلاد، وعلى الحكومة تعويضه، فضلا عن الخسائر التجارية الأخرى التي ستنجم عن إتمام الخروج بلا اتفاق، بما في ذلك عودة التعرفة الجمركية على البضائع، وإخضاع الحركة التجارية اليومية للتدقيق والتفتيش، وغير ذلك من الامتيازات التي تتمتع بها أيّة دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.
 
وعود بالازدهار 
هذه الوعود مبنية على أساس التخلص من أعباء استقبال المهاجرين عبر الحدود، التي توقعت توفير 350 مليون جنيه استرليني (480 مليون دولار) أسبوعيا لحساب الخزينة البريطانية، وهو مبلغ كاف لبناء مستشفى. كما أن المبلغ نفسه يعادل نصف ميزانية التعليم في إنجلترا، مع اقتراحات من معسكر المعارضين للبقاء بتوظيف تلك الأموال في البحث العلمي والصناعات الجديدة.
وهي وعود مني بها المعسكر الرافض للبقاء المواطن البريطاني، حيث ظلت كلمات رئيس بلدية لندن السابق رئيس الوزراء الحالي، بوريس جونسون، مصاحبة للمواطن البريطاني داخل اللجان، حيث لم ينس مقولته: إذا صوتنا في 23 حزيران 2016 واستعدنا السيطرة على بلادنا واقتصادنا وديمقراطيتنا فإننا نستطيع عندها أن نزدهر كما لم نزدهر من قبل.
تلك الوعود امتلأت بها الصحف المؤيدة للخروج، التي تعتبر الخروج من الاتحاد الأوروبي هو أفضل طريقة لوقف المزيد من الاتحاد الاقتصادي والسياسي بين الطرفين.
قدم معسكر المعارضين للبقاء تصوراً عن أوضاع التجارة عقب الخروج، كان سببا كافيا لدى المواطن البريطاني إلى توقع الأفضل، حيث يتصور المواطن البريطاني أن الرحيل سيمكن بلاده من إقامة علاقات اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي من دون خضوعها لقوانين الاتحاد، حيث يمكنها عمل اتفاقيات تجارية مع دول مهمة مثل أمريكا والهند والصين، بالإضافة لمساعي إقامة منطقة تجارة 
حرة.