متى نحترم الأمانة؟

آراء 2020/02/07
...

نجم بحري
 
حدث في العام 2005، في لندن، أنّ وزير داخلية بريطانيا السابق (دفيدبلا نكيت) استقال من منصبه بسبب افتضاح أمره بكونه ساعد خادمة صديقته في حصولها على إجازة عمل وبقائها في ذلك البلد. وقال الوزير في معرض استقالته إنه بعمله ذاك قد (خان الأمانة) التي سلّمها له الشعب. ونستذكر أن مجلس الشيوخ الأميركي يرفض تعيين (المرشح) لمنصب مهم إذا كان في سجله ما يشير الى وجود تضارب في المصالح أو احتمال الإخلال (بالامانة) حين تـأدية الواجب الرسمي. وحدثت الزوبعة الكبرى التي أثيرت في بريطانيا، خلال مدة سابقة، اثر قيام بعض النواب في مجلس العموم البريطاني بتقاضي بعض المخصصات التي يمكن وصفها من حيث الاستحقاق بكونها “بين بين” ولا يمكن تسويغها بسهولة، وكيف ان أولئك النواب أعادوا إلى الخزينة ما تقاضوه من ذلك النوع من المخصصات (وهي ضئيلة جدا)، قياسا بحجم الفساد المالي الذي جرى وما زال يجري في العراق اليوم من دون 
حسيب أو رقيب!
 علما إن الرواتب الشهرية والمخصصات التي يتقاضاها النواب الانكليز لا تتجاوز ربع ما يتقاضاه النواب العراقيون، فضلا عن ارتفاع كلف العيش في بريطانيا ودفع ضرائب لا تقارن مع مثيلاتها في العراق. والملاحظ أنهم اضطروا إلى الاستقالة من مناصبهم الحكومية خجلا أمام الشعب البريطاني، ثم تخلت عنهم أحزابهم. ونستذكر الحالة في العراق بعد قيام سلطة التحالف بتنصيب (مجلس الحكم المؤقت) الذي بدوره قام بتعيين وزراء عراقيين للمرة الأولى بعد العام 2003، لقد تسلم هؤلاء أهم أمانة يمكن أن يتسلمها مسؤول وهي إدارة شؤون العراق. وبدلا من معالجة الخراب وتضميد الجراح والتخلف، توجه العديد من هؤلاء نحو تقاسم الغنائم فاصبحت الوظائف الحكومية تعطى للأعوان، والبضائع التي كانت تحتكر الدولة استيرادها وهي مدعومة الأسعار توزع على من يملك أمرا من (حزب) أو توصية من (عضو في مجلس الحكم) والمقاولات لإعادة البناء والإعمار أو توفير الخدمات أو تجهيز المواد ترسو على الأقارب والأصدقاء والمنتفعين الجدد وعلى من يدفع (الرشى) .كما أضحى المال العام فريسة سهلة ينهش منها، ولم تستمر الحال على هذا المنوال، بل زاد حجم الفساد خلال الوزارات المتعاقبة
 على الدولة.
  وكان مفروضا بمن يأتي بعد سقوط النظام أن يكون المثال، ليس فقط في رقي الأخلاق، ولكن، أيضا، في التفاني في تقويم الأداء الحكومي والشروع بإعادة البناء والإعمار بعد خراب دام طويلا وتوفير الخدمات الأساسية التي غابت عن تناول الناس كافه والقضاء على الفساد الذي ضرب مفاصل الحكومة وأوصالها، بل ساهموا في صب الزيت على النار بدلا من اطفائها. إن الشارع العراق اليوم الصامد في ساحات الحق على الباطل لينتظر انتخابات سليمة ونزيهة خالية من التحزبية والطائفية والانتهازية تعطى المهام لأكْفاء وخبراء مستقلين وأمناء يحملون بشرف المواطنة الصادقة، هذه الأمانة وصيانتها لانقاذ الوطن من الضياع والتبعثر السياسي والنهب العام لثروات العراق.