ملاحظات اقتصادية بشأن خطاب الرئيس برهم صالح في دافوس

اقتصادية 2020/02/08
...

د. ميثم العيبي
 
دافوس ملتقى لإصلاح الاقتصاد العالمي أساسا، ويعد من أهم الأحداث الاقتصادية السنوية، نظرا للموضوعات المهمة والشائكة التي يعالجها، والأسماء المهمة التي تشارك فيه. الموضوعات الساخنة التي طرحها المنتدى في دورته هذا العام 2020، والتي تكرست حول قضية (التنمية المستدامة)هي: (الخلافات بين الشرق والغرب، كتصاعد آثار الضربة التي وجهتها أميركا إلى إيران، 
والنزاع التجاري بين واشنطن وبكين، وقضايا المناخ والبيئة، وبالتأكيد هناك حضور للناشطة السويدية، الصغيرة ثونبيرغ، المتحدثة عن المناخ والوقود الأحفوري، والحرائق وارتفاع درجات حرارة الأرض).
وقد تناول رئيس الجمهورية، د. برهم صالح، في الملتقى، عدة قضايا، أهمها:
 
1 - التكامل الاقتصادي
من بين القضايا المهمة التي طرحها، دعوته إلى التكامل الاقتصادي، من رؤية تضع العراق في موقع جيوسياسي حيوي، إذ أشار إلى: (رؤيتي للعراق الذي يقع في قلب الشرق الأوسط، أن يكون قوة للاستقرار وجسراً لمزيد من التكامل الاقتصادي في المنطقة).
بالتأكيد، فإن التكامل الاقتصادي يقع في صلب الاستراتيجيات المعاصرة التي تنتهجها الدول التي ترتبط بمحيط جغرافي معين، وهي استراتيجيات اتخذتها الكثير من الدول كاليابان وكوريا والصين، وبلدان شرق آسيا، وهناك الكثير من الدراسات التي أثبتت النتائج الإيجابية الناجمة عن العمل المشترك، في مواجهة الدول والتكتلات الكبرى.
لكن ما الذي ينقص التكامل الاقتصادي في المنطقة؟
بالتأكيد إن أهم ما يعيق التكامل الاقتصادي في منطقة مثل الشرق الأوسط، هو عدم وجود إرادة سياسية مشتركة بين الدول التي تقع في محيط هذا التكامل، وأفترض أن صالح يتحدث عن منطقة تجمع بين دول متناقضة تمتد من إسرائيل حتى إيران وتضم دول الخليج، وهي منطقة كما أزعم من أعقد المناطق في العالم التي يمكن أن يحدث فيها مثل هذا التكامل، لجهة أنها: 
أ. منطقة تضم موارد نادرة كالنفط والغاز، التي تهم العالم كله، وجوهر صراع عالمي شرس من شركات وقوى كبرى على هذا المورد، كالولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا.
ب. إنها مرتع لتطرف الأديان، بكل ما تحمله من سرديات متناقضة ومتباغضة على مر التاريخ.
ج. إضافة إلى موقعها الجغرافي الحرج، متوسطة قارات العالم سواءً برّاً أو بحراً أو جواً.
د. فضلا عن طبيعة الأنظمة السياسية والاقتصادية المتناقضة وغير المنسجمة في بلدان هذه المنطقة، والمرتبطة بمنظومات سياسية واقتصادية متعارضة، كذلك.
تحديات التكامل الاقتصادي في المنطقة كثيرة، كعدم وجود تنسيق وتقسيم للعمل بما يشمله من تخصص واستفادة من مزايا الانتاج الواسع، إضافة إلى ضعف التخطيط المشترك للتنمية، بما يسمح بتعبئة الموارد بشكلها الأمثل وغيرها.
ومن دون الاستطراد في صعوبة تجاوز هذه التحديات، فإن صالح لم يكن يعني الغوص في هذه التفاصيل، بل انه كان يطالب أن يكون هناك انفتاح وتعاون بين العراق ومحيطه الإقليمي والدولي، الذي عبر عنه من خلال سياسة مبدئية هي (بناء الجسور وليس صفع الأبواب)، وكذلك (الحاجة إلى أطر إقليمية للتعاون الأمني والاقتصادي والتجاري، توفر السبيل للحوار السياسي وحل النزاعات بين الخصوم)
فإذا عدنا إلى الداخل، نجد العراق واقعا في صلب هذه التناقضات، ما يصعب الوصول إلى مثل هذا التكامل، فهناك تقاطعات مكوناتية اثنية وقومية بين من يحتكر السلطة في العراق وصلت في لحظات مفصلية إلى نقطة الحرب الأهلية، ما يمنع تبلور هوية اقتصادية ممكن أن تتكامل مع محيطه الشرق أوسطي المتناقض أصلا.
لقد أصاب هذا الواقع البلد بعزلة عن التكامل المتكافئ مع محيطه، وأصبح بدلا عن ذلك ساحة للصراع السياسي والأمني، وكذلك بؤرة لتصريف منتجات المنطقة والعالم، مقابل ميزة وحيدة في تصدير النفط، من دون أي دور تنموي حقيقي صناعي أو زراعي أو خدمي.
فعلى مستوى التبادل التجاري، نجد أغلب بلدان المنطقة تعتبر العراق سوقا لتصريف منتجاتها، مقابل عدم تمكن العراق من تصدير سوى القليل للمنطقة، وذلك بسبب السياسات المتحيزة التي يتبعها محتكرو السلطة المكوناتية في العراق، والتي تكرس دورها غير التنموي في المنطقة، مقابل تعزيز نمو اقتصادات الدول المجاورة، وتنمية صادراتها ومن ثم تحقيق معدلات توظف لدى مواطنيها.
 
2 - العلاقة الاقتصادية مع إيران 
تحدث الرئيس صالح عن القضايا المشتركة بين العراق وإيران، ونوه إلى قضايا تتعلق بوجود (روابط عريقة من الجغرافيا والموارد المائية والاقتصاد والدين).
ركز صالح في خطابه على معالجة صلب فشل إدارة الدولة العراقية بعد 2003 وحتى اللحظة، والمستندة إلى منطق الاملاءات من الخارج على القرار السياسي والأمني والاقتصادي في العراق، وتغليب المصالح الدولية والإقليمية على المصلحة الوطنية، وذلك حين أشار إلى أنه (لا ينبغي لأيّة دولة السعي للإملاء على العراق، مع من يجب أن تكون لنا علاقات، وكيف يجب أن تكون سياساتنا وعلاقاتنا الدبلوماسية والاقتصادية، مدفوعة بمصالحنا الوطنية، وليس بمصالح الآخرين).
ويقع العراق وإيران في صلب منطقة حيوية اقتصاديا، وهما بحاجة إلى بناء شراكة جادة قائمة على تحقيق المصالح المشتركة، فالعراق مثلا، يستورد الطاقة الكهربائية من إيران، بما يصل إلى أكثر من ألف ميكا واط سنويا، (و28 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا لتغذية محطات كهربائية)، وهو قطاع يواجه فيه العراق نقصا شديدا، خاصة في أشهر الصيف، التي لطالما كانت سببا في اشتعال موجات الاحتجاج في العراق، إذ إن البلد لم يستطع معالجة هذه الأزمة رغم صرف المليارات عليها طوال مدة تزيد عن 16 عاما بسبب سوء الإدارة والفساد المالي.
بالتأكيد فإن جمهورية إيران لها دور في التخفيف من حدة هذه الأزمة لدينا، لكن هذا كذلك يوفر لها مليارات الدولارات، ويحسن وضع ميزان المدفوعات، مثلما يساهم في ثلم جدار الحصار المفروض عليها من قبل الولايات المتحدة. 
إن العراق يقع في صلب السياسة الاقتصادية الخارجية لطهران، بهدف تخليصها من عزلتها الاقتصادية، وبناء شراكة لفك أزمتها الاقتصادية الداخلية، لذا فإنها تسعى إلى توسيع التبادل التجاري مع العراق، إذ تأمل أن يصل إلى 20 مليار دولار خلال السنتين القادميتين، والذي بلغ للعام 2019 قرابة 13 مليار دولار.
إن الخطورة لا تكمن في تنامي حجم التبادل التجاري، بل أن يتحول هذا التبادل إلى عجز في الميزان التجاري العراقي، فهذا الميزان يتأتى في الغالب من صادرات إيرانية للعراق، أو بمعنى آخر، هي استيرادات عراقية تستنزف العملات الأجنبية، فمن بين هذه الـ13 مليار مثلا، هناك 8.5 الى 9 مليارات منها صادرات سلعية إلى العراق، أمّا المتبقي فهي صادرات خدمية (كهرباء، سياحة، خدمات هندسية، تقنية...الخ).
ومن الواضح أن هذا الميزان في صالح إيران تماما، فمقابل السلع المصدرة من إيران، والبالغة 8.5 مليار، صدَّر العراق لإيران ما قيمته 500 مليون دولار فقط، خلال العام 2019، وبكلمات أخرى إن صادرات إيران للعراق أعلى بمقدار 17 ضعفا عن نظيرتها العراقية لجارتها.
وتحاول إيران السعي إلى بلوغ تلك الـ20 مليار من خلال التركيز على صادرات الغاز المسال، وتعزيز تصدير الكهرباء وباقي 
الخدمات.
ولا بد من التنويه، إلى أن العراق مستثنى من العقوبات الأميركية، على قطاعي الكهرباء والغاز المصدَّر من إيران، لكن هذا الاعفاء تتم مراجعته دوريا من قبل الإدارة الأميركية، ما يمثل ورقة ضغط أميركية على البلدين، من أجل الحصول على المزيد من التنازلات والتسويات في ملفات متعددة كالنفوذ الإيراني والوجود العسكري الأميركي في العراق، فضلا عن ضرورات العراق للإسراع بتنفيذ خططه الوقودية لتخفيض الطلب على الكهرباء والغاز الإيراني، بما يتضمنه من التقدم في مفاوضات جولات التراخيص الخامسة الجارية حاليا.
 
* الجامعة المستنصرية