إبراهيم سبتي
أوصلتنا التقنية الحديثة إلى ابتكار الطرق والوسائل المفيدة، وخصوصا تلك التي اطلق عليها "مواقع التواصل الاجتماعي"، وهي وسائل مباشرة تؤدي غرضها بسهولة و بضغطة زر، فترى أنك تتحدث مع شخص آخر عبر القارات والمحيطات. إنها ثورة الاتصالات الرقمية الانفجارية حيث تمنح الفائدة بجميع معطياتها التي يتوخاها مستخدمها. فمؤكد لها إيجابياتها ولها سلبياتها شأنها شأن أي مبتَكَر صناعي تقني جديد.
فايجابياتها توصل المستخدم إلى فضاءات أخرى كان يحلم بها قبل سنوات، بل كانت من ضروب المستحيل، فيمكن وبكل سهولة إيصال الأفكار التي يراد توصيلها إلى أطراف كثيرة في الوقت نفسه ومشاركتهم تلك الأفكار والآراء والقضايا، ويمكن إيصال ونشر وإعلان أي شيء ما يراد له الترويج عبر واقع افتراضي واسع. بصراحة إن الايجابيات كثيرة ولا يمكن حصرها. أمّا سلبياتها فكثيرة كذلك ولكنها خطيرة ومدمرة وتكاد تكون إحدى وسائل تفتيت المجتمعات وسلب إرادة الناس وتغيير أفكارهم إلى الخانة السلبية التي تؤدي إلى اليأس وتصعيد فورة الغضب، وبالنتيجة تدمير الأفكار التي جُبل عليها الشخص المستهدف. في أزمة العراق الأخيرة، بدأت بعض الأقلام في الداخل والخارج تتجه نحو سلب إرادة الناس ورؤاهم وتحويلها إلى ضفة الحقد على الوضع القائم بدلا من المشاركة الفاعلة في حل القضايا العالقة. فانبرى بعض الأمّيين والجهلة وأشباه الكتاب والمثقفين في بث السموم عبر منصات التواصل الاجتماعي وفبركة الأفلام والأخبار لتغيير الوقائع والأحداث حتى كادت تُدخل البلد في دائرة خطيرة عبر ضخ الأوهام والأكاذيب حتى وصل الأمر إلى التشويه الأخلاقي والتربوي للأشخاص المستهدفين لزرع التفرقة والرعب لإيصال الحالة إلى الانزلاق الذي لا ينتج سوى الخراب والدمار. إن استخدام منصات التواصل الاجتماعي إحدى الطرق المبتكرة لتشجيع الفرقة وتشويه الواقع وصنع الدسائس والافتراضات التي ليس لها صحة ولا واقع، فلعبت بعقول من صدقوها وأخذوا بها كوقائع ومجريات فعالة على
الأرض.
إن هذه االكتابات المؤطرة بالخراب هي نوع من أنواع الحروب الحديثة التي لا يخسر المحارب فيها أيّة خسارة مادية أو بشرية، إلّا أنه يحصد الكثير من النتائج السلبية التي عمدت بعض الدول إلى اتخاذ اجراءات رادعة ترد على أولئك المعتدين بطرق مبتكرة عديدة للحد من التأثير السلبي لهذه الحرب المدمرة. ومنذ انطلاق التظاهرات في ساحات بغداد ومحافظات الوسط والجنوب للمطالبة بما كفله الدستور العراقي، اتخذت المنصات من هذه التظاهرات مادة دسمة لاستغلالها في زرع الفرقة واطلاق الشعارات المهدمة للبلاد. إن البلاد باقية بقاء الأزل وكلما ضخت تلك المنصات فورة الكلام المخرب مستغلة التظاهرات التي يرون أنها ستكون أرضا خصبة لتصديق افتراءاتهم والأوهام المفبركة هدفها الإطاحة بالعراق أرضا وشعبا وتدمير تاريخه ووجوده وبالتالي إضاعة أيّة فرصة للحل الذي ينتظره الجميع. باعتقادي إن رواد تلك المنصات من مدمني الخراب الذين لا يهمهم ما سيحدث، بل إن هدفهم هو إيصال الحالة إلى طريق مقفلة ومسدودة بالأباطيل التي ستؤدي حتما إلى توسيع حالة الخراب والوقوف بوجه أيّة حلول تخدم الأطراف كلها. إن سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، هي أنها إحدى وسائل زرع فايروسات التدمير الفتاكة عبر ما يسمى بالجيوش الألكترونية التي أُنيطت بها مهمة زرع الفتنة وتصدير الأكاذيب والاشاعات، وهي المهمة الواجب على تلك الجيوس زرعها في المنصات والتي يتلقفها المتصفح البسيط الذي يصدقها وبدوره يصدّرها للآخرين فتُصنع الاشاعة فتنتشر بسرعة النار في هشيم يابس. إلّا أن أغلب المتلقين لن يصدقوها لامتلاكهم الوعي والفكر الوقّاد وهو ما يشكل مانعا وسدا قويا أمام الشائعات والدسائس. هذه هي مهمة الجيوش الجالسة أمام الشاشات، وهي أعمال مدفوعة الأثمان ولها من يمولها ويدافع عنها من أشخاص لا يرون إلّا مصالحهم وانتفاعهم من دون النظر إلى مردودات تلك الألاعيب الموصلة لتسهيل انهيار الدولة وتذكية نار الفرقة مستغلة الساحات التي خرجت، واهمين بأنهم سيحققون أهدافهم ونواياهم لأنهم باتوا يلعبون في ساحة مكشوفة حلّ المواطن العراقي ألغازها وأسرارها
وطلاسمها.