ستكون عملية إقرار موازنة 2020 أول تحديات حكومة السيد محمد توفيق علاوي، بما تمثله من أهمية كبيرة ومسؤولية تاريخية تقع على عاتق ممثلي الشعب والقوى السياسية ورجال الاقتصاد في الدولة تجاه أبناء الشعب العراقي، بعيدا عن محاولات التعطيل والاشتراطات المسبقة.
وتكتسب موازنة 2020 أهميتها من الحاجة الكبيرة لمشروع قانون يرسم سياسة اقتصادية سليمة تعمل على حل المشاكل الاقتصادية الموروثة، وتسهم في الاستجابة للكثير من المطالب الشعبية المشروعة، التي تتعلق بالجانب الاقتصادي كما تكتسب أهميتها من الحاجة الى إعمار المدن العراقية ودعم القطاعات المهمة كالصحة والتعليم باعتبارهما أهم القطاعات التي تسهم في بناء الإنسان المتعلم والصحيح، علما أن العراق يعاني نقصا كبيرا في عدد المدارس وضعف الخدمات الصحية، الأمر الذي يجبر أبناء الشعب العراقي على السفر خارج العراق من أجل العلاج وضياع أموال كبيرة لغياب العديد من الخدمات الصحية في العراق. ومن جانب آخر لا بد من تخصيص مبالغ كافية في الموازنة العامة لقطاعي الزراعة والصناعة من أجل تنشيط الدخل العراقي ومغادرة الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على بيع النفط في دعم الموازنة العامة.
من هنا نجد الموازنة بحاجة إلى أن تسهم في تحقيق إصلاحات حقيقية في الاقتصاد العراقي عبر تفعيل القطاع الخاص وتنشيط قطاعات اقتصادية أخرى غير قطاع النفط كالزراعة والسياحة والصناعة. وبدلا من أن نشهد صراعات وخلافات بشأن مكاسب ضيقة في إقرار الموازنة، كان من المفترض أن يكون هناك حرص وطني لمناقشة كيفية تطوير الاقتصاد العراقي باتجاه إنجاح مشروع الخصخصة الذي أصبحت غالبية الدول الناجحة اقتصاديا تتوجه إليه بعد فشل النظم الاقتصادية الأخرى، وبعد أن ثبت صحة الرؤى الاقتصادية القائلة بأن أي دولة تريد أن تحقق نموا اقتصاديا فعليها أن تقوم بتفعيل القطاع الخاص وإعادة الروح إليه من جديد، وتنظيم العلاقة بينه وبين القطاع العام وبين الحكومة بما يسهم في تهيئة الأجواء لدخول رؤوس الأموال وتوفير بيئة آمنة للاستثمار عبر تشريع القوانين المتعلقة به، إضافة إلى توفير الأمن والاستقرار كأحد اشتراطات نجاح الاستثمار في
البلاد.
إن نجاح المشاريع الاستثمارية وتنشيط القطاع الخاص من شأنهما أن يسهما في تشغيل الأيدي العاملة في البلاد والقضاء على البطالة، فضلا عن أنه سيسهم في إيجاد مصادر تمويل جديدة للموازنة والتخلص من الاعتماد على بيع النفط كمصدر وحيد لتمويل الموازنة العامة.
ومن هنا نريد القول بأن على رجال الاقتصاد والسياسة في العراق أن يقوموا بدعم الحكومة الجديدة لإعادة رسم الخريطة الاقتصادية عبر دراسات حقيقية لوضع موازنات اقتصادية تدعم القطاع الخاص. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تفعيل القطاع الخاص لا يتوقف على تخصيص الأموال في الموازنة العامة، بل يتوقف على إقرار التشريعات الاقتصادية الخاصة به، التي توفر له البنى التحتية المناسبة وتعزز من دوره في بناء الاقتصاد العراقي الجديد.