اسطنبول / فراس سعدون
شهدت تركيا استنفارا سياسيا وعسكريا وأمنيا مع الرد على مقتل وإصابة 10 من أفراد قواتها المسلحة، نهار الاثنين الماضي، بنيران الجيش السوري، في محافظة إدلب الشمالية، عبر هجوم هو الثاني من نوعه بفارق أسبوع، ما يعني استمرار التصعيد الخطير بين جيشي جارتين تجنبا الصِدام المباشر تسع سنوات، بينما فضلا خوض الحرب عبر الفصائل والجماعات المسلحة.
ويأتي التصعيد في ظل دعم موسكو لدمشق في تقدمها الميداني لاستعادة السيطرة على إدلب، والمناطق الشمالية الواقعة تحت سيطرة فصائل معارضة أو جماعات إرهابية، وسط انتشار عسكري تركي، في وقت لا يحقق فيه التفاوض، بين موسكو وأنقرة، لوقف هذا التقدم، أي نتيجة ترضي الأتراك المرتبطين مع الروس بمصالح ومشاريع وعقود ستراتيجية تشمل الطاقة والتسليح والتجارة
البينية.
رد عسكري
وأعلنت وزارة الدفاع التركية في بيان، أنه “تم قصف 115 هدفا للنظام على الفور، ووفقا للمعلومات الأولية الواردة من مصادر مختلفة، عُلِم تحييد 101 عنصر من عناصر النظام، وتدمير 3 دبابات، و2 مدفع هاون، وإصابة مروحية واحدة”. وتابعت أن الرد جاء “على الهجمات الأخيرة التي شنها النظام ضد عناصرنا الذين جرى إرسالهم كتعزيزات إلى منطقة إدلب”، وأن “إطلاق النار على الأهداف المحددة يستمر في نطاق الدفاع المشروع”، وخلصت الوزارة إلى أن “الجهات التركية المختصة تتابع تطورات الأحداث في إدلب عن قرب، وتتخذ التدابير اللازمة”.
وكانت الدفاع التركية أعلنت، الاثنين، مقتل 5 من عسكرييها، وإصابة 5، بقصف مدفعي سوري مكثف في إدلب، في حين شهد يوم الاثنين قبل الماضي، مقتل 7 عسكريين ومدني من الأتراك، وإصابة آخرين بقصف مشابه. وينشر الجيش التركي 12 نقطة مراقبة في محيط إدلب، بموجب اتفاق مع روسيا أبرم في سوتشي العام 2018 لخفض التوتر والتصعيد في المنطقة، ويطوق الجيش السوري أكثر من نقطة تركية، بعد سيطرة قواته على مدينة سراقب الستراتيجية في إدلب، وأجزاء من الطريق الدولي الواصل إلى حلب والأردن، ضمن أحدث مكاسب التقدم الميداني المدعوم روسياً، عقب استعادة معرة النعمان ثاني أكبر مدينة في المحافظة سوى مركز إدلب آخر معقل لمعارضي دمشق، والفصائل المسلحة المدعومة من أنقرة، فضلا عن جماعات مصنفة إرهابية. وتعمل أنقرة على وقف هذا التقدم عبر دعم هجوم للفصائل الموالية لها ضد الجيش السوري، مواصلة تعزيز نقاطها في إدلب بقوات خاصة، وأسلحة ثقيلة وذخائر وآليات.
اجتماع رئاسي طارئ
وعقد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ليل الاثنين، اجتماعا طارئا مع كبار المسؤولين في حكومته، لتدارس خطوات الرد على الهجمات السورية المتكررة على القوات التركية.
وشارك في الاجتماع وزيرا الخارجية والدفاع، ورئيسا الأركان والمخابرات.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية التركية عن مصادر في الرئاسة قولها: “ تقرر خلال الاجتماع، الذي عقد مساء الاثنين، الرد بالمثل على الهجوم، وألاّ تذهب دماء الشهداء سدى، كما جرى التأكيد على أن أي هجوم لن يثني عزيمة تركيا التي تتواجد في إدلب بهدف منع الاشتباكات، وضمان أمن حدودها، والحيلولة دون حدوث موجة نزوح وكارثة إنسانية جديدتين”.
رفض الانسحاب
وقال عمر جليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا: إن “نقاط مراقبتنا ستستمر في عملها وواجباتها وفقا للأوامر الصادرة لها، ولا يوجد شيء اسمه الانسحاب من نقاط المراقبة بأي شكل من الأشكال”.
واتهم جليك، في مؤتمر صحفي عقده داخل مقر الحزب بأنقرة، الجيش السوري بأنه “انتهك جميع الاتفاقات حتى الآن، ودخل في عدوان من شأنه أن يؤدي إلى كارثة إنسانية ... ولم يمتثل لوقف إطلاق النار في 12 كانون الثاني 2020، وواصل هجماته، بالرغم من المعرفة الواضحة لروسيا”.
التفاوض التركي – الروسي
وكان جليك يتحدث بالتزامن مع مفاوضات تركية – روسية في أنقرة بخصوص تطورات إدلب.
وبشأن ما إذا حققت المفاوضات خطوة ملموسة، وإذا كان من المقرر أن تجري مباحثات بين إردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، قال جليك: “إذا لزم الأمر يمكن لرئيسنا مقابلة بوتين. يمكن أن يكون هناك طلب منا بالإضافة إلى طلب منهم، وهذا ممكن دائما وفقا للتطورات، وقد عقد رئيسنا اجتماعا مؤخرا، والمفاوضات مع الوفد القادم مستمرة، ولم يتم التوصل إلى نتيجة ملموسة حتى الآن. ستستمر المحادثات”.
وتوقع المتحدث الحزبي أن يقف حلف شمال الأطلسي (ناتو) مع تركيا في حربها على الإرهاب. وبيّن أن “الناتو يجب أن يكون في حالة تضامن مع تركيا”.
وقالت الرئاسة التركية، في أعقاب اجتماع إبراهيم كالن، المتحدث باسمها ومستشار اردوغان على رأس وفد بلاده، مع الوفد الروسي برئاسة ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص لبوتين إلى سوريا، إن كالن أبلغ لافرنتييف بوجوب وقف الهجمات في سوريا على الفور.
وأفاد مكتب المتحدث باسم الرئاسة التركية، في بيان، بأن الجانب التركي “طلب من موسكو الوفاء بمسؤولياتها حيال وقف الانتهاكات الصارخة لاتفاق سوتشي بصفتها أحد الضامنين له”.
واكتفت وزارة الخارجية الروسية بالتعليق على المفاوضات، التي جرت في اجتماعين يومي السبت والاثنين، بأن “المناقشات ركزت على تطور الوضع في سوريا، وخاصة في منطقة خفض التصعيد في
إدلب”.
زيارة أميركية ووساطة إيرانية
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أن جيمس جيفري، الممثل الأميركي الخاص للشأن السوري والتحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي، سيزور تركيا لبحث مستجدات إدلب وملفات الأزمة السورية.
وأوضحت الوزارة، في بيان، أن “السفير جيفري سيلتقي في أنقرة كبار المسؤولين الأتراك لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك الهجوم العسكري لنظام الأسد الذي تدعمه روسيا في إدلب، والوضع الحالي في شمال شرق سوريا، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشأن حل النزاع السوري، وجهود التحالف المستمرة لضمان هزيمة داعش الدائمة في سوريا والعراق”.
وكتبت السفارة الأميركية في أنقرة، على حسابها بتويتر، عبر تغريدة تعزي فيها بمقتل الجنود الأتراك في إدلب: “نقف إلى جانب حليفتنا في الناتو تركيا، وسنواصل معارضة تطبيع نظام الأسد في المجتمع
الدولي”.
واستخدم محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، حسابه في تويتر، للتعبير عن استعداد طهران للتوسط بين أنقرة
ودمشق.
ودوّن جواد ظريف في تغريدة: “تكرر إيران استعدادها لتسهيل الحوار بين جارتيها الشقيقتين تركيا وسوريا”. وواصل أن “تصعيد التوترات لا يخدم إلا مصالح الإرهابيين ورعاتهم”، معتبرا أن “تجنب سفك الدماء واحترام السيادة والسلامة الإقليمية أمر
حتمي”.