اتساع الانقسام بين روسيا وتركيا

قضايا عربية ودولية 2020/02/15
...

ماكسيميليان بوب كريستوف روتر  ترجمة/ خالد قاسم 
 
تستمر القوات السوريةُ بالتقدم نحو إدلب مع تواصل القصف الروسي، وفي الوقت نفسه تطالب تركيا بنهاية للعنف مهددة العلاقة الهشة مع موسكو، والمدنيون ضحية كل ذلك.
صارت البلدات والقرى مهجورة حتى قبل وصول القوات المتحاربة، ففي 28 كانون الثاني وصلت القوات السورية الى معرة النعمان وهي آخر مدينة كبيرة جنوبي إدلب، ووضعها تقدمها على مسافة كيلومترات قليلة من عاصمة المحافظة التي تحمل نفس الإسم.

تباطأ تقدم الدبابات مطلع شباط، اذ قتل 8 جنود أتراك بنيران المدفعية السورية قرب سراقب، وشنت طائرات أف 16 التركية هجمات انتقامية ضد الجيش السوري. لم يوقف قتل الجنود السوريين الغارات الجوية على المستشفيات والمناطق السكنية، أو اللاجئين، وهناك مناوشات أخرى بين الجانبين تسببت بمقتل جنود منهما.
تحولت إدلب وهي آخر معقل للمسلحين السوريين، ويكتظ الجزء الشمالي منها بثلاثة ملايين نسمة، الى دمية لحاكمين متحاربين وأفضل وصف يمكن أن نطلقه على علاقتهما هو “معقدة”. يكرر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان التأكيد على صداقتهما، قبل الخروج وقتل حلفاء الطرف الثاني، ويتبع ذلك مجددا كلمات حارة تدل على المودة. اختارت القيادة الروسية ببراعة تكتيكية اردوغان شريكا في سوريا، وهي بخضم ابعاده عن حلف الناتو، ويجري كل ذلك بينما يتكرر احباط الرئيس التركي للسيطرة على الوضع. ويبقي كل منهما عينا ماكرة على الآخر ويسعيان وراء مصالح متضاربة، ولا يقتصر الأمر على ادلب.
منحت روسيا الضوء الأخضر للغزو التركي لشمال شرق سوريا ذي الأغلبية الكردية بعد الانسحاب الجزئي للقوات الأميركية، لكن في الوقت نفسه ضغطت على الكرد بهدف خضوعهم للحكومة السورية. ويدعم البلدان جماعات مختلفة في ليبيا أيضا، اذ أرسلت أنقرة مرتزقة وأسلحة الى رئيس الوزراء فائز السراج أما موسكو ففعلت الشيء ذاته للجنرال خليفة حفتر.
بالعودة الى إدلب، تمتد طوابير السيارات المحملة والعربات التي تجرها الحمير لمسافة كيلومترات، وتهبط درجات الحرارة ليلا لما دون الصفر مئوية، لكن كثيرين ممن يتجهون شمالا لا يمتلكون المال الكافي لشراء خيمة. 
حقيقة أن القوات الجوية الروسية تستهدف المستشفيات من أجل حرمان الناس من الملاذ الأخير لا تثير حتى ردة فعل ساخطة من الحكومات الأوروبية. وعندما وصف مسؤول بارز بالأمم المتحدة الوضع القاتل في إدلب خلال مقابلة معه مطلع العام الحالي في بيروت، أكد على عدم ذكر اسمه مهما كانت الظروف وقال أنه لا يريد التحول الى شخص غير مرغوب فيه بدمشق ويرّحل من هناك.اتفقت روسيا وتركيا في أيلول 2018 على منح السيطرة في ادلب للأتراك مقابل تخليص المحافظة من مليشيا هيئة تحرير الشام المرتبطة بالقاعدة. وكانت الفرحة كبيرة آنذاك في ادلب لكن أيا من الجانبين لم يلتزم بالاتفاق. وكانت قوات الأمن التركية عاجزة أو غير راغبة بالتخلص من المليشيا واستمر بوتين وبشار الأسد بحملات القصف.
تبع ذلك تقليص الأوروبيين دعمهم المالي للمجالس المحلية، وقالوا ان الأموال يمكن توجيهها نحو الارهابيين، لكن في النهاية كانت الجهات المحرومة هي الوحيدة المعادية للمسلحين.توقفت السعودية بالمقابل عن تمويل أكبر مستشفى بالمحافظة ويقع عند معبر باب الهوى الحدودي، لمعاقبة تركيا على سياستها في ليبيا.
دمرت مقاتلة روسية بنهاية كانون الثاني احد آخر المستشفيات المتبقية بالمحافظة في مدينة أريحا، وبقي الأطباء يعالجون بين 300 الى 400 مريض يوميا معظمهم أصيبوا جراء الغارات الجوية.لم يترك الرئيس السوري أدنى شك برغبته  في استعادة كل سنتمتر من بلاده، ومع كل سنة تمر يتخلى المسلحون عن مدن ومحافظات جديدة. وكانت تعقد اتفاقيات للمسلحين غير الراغبين بتسليم أنفسهم للحكومة ليرحلوا الى ادلب، لكن تلك الأيام ولّت من دون رجعة ولا توجد طريقة لخروج المدنيين من المحافظة.
الأمل الأخير لسكان ادلب هو غضب اردوغان الذي يخشى على نفوذه اذا استقبلت تركيا مليونا أو مليوني لاجئ سوري آخرين، علما أن بلاده تستضيف أكثر من 3،6 ملايين لاجئ سوري وفق أرقام الحكومة التركية.
 
مجلة دير شبيغل