مأزق الإصلاحيين!

آراء 2020/02/16
...

 جواد علي كسّار
 

من أبرز مفارقات الدورة الحالية للانتخابات النيابيَّة في إيران، هو كثافة ترشيح النوّاب الفعليين للدورة الحادية عشرة المرتقبة، فمن مجموع (290) نائباً هو العدد الكلي للبرلمان، رشّح (247) نائباً لتجديد مقاعدهم في انتخابات الجمعة القادمة، بيدَ أنَّ ما خفّف الوطأ وأعطى نافذة لمشاركة وجوه جديدة في الحياة النيابيَّة، هو رفض أهلية (90) نائباً من قِبل مجلس حماية الدستور، جاء أغلبها تحت عنوان الفساد المالي والأخلاقي واستغلال المنصب، من قبل هؤلاء النوّاب المرفوضين، عدا قلة منهم حُذفوا من المنافسة بذريعة التصادم مع رأي المرشد، كما حصل ذلك تحديداً لنائب رئيس المجلس علي مطهري، نجل المفكر وعالم الدين الإيراني المشهور مرتضى مطهري!
بدأ مأزق التيار الإصلاحي مع عمليَّة الرفض الواسعة هذه، إذ أكد المتحدّثون بلسان هذا التيار، أنَّ أغلب المرفوضين هُم من الإصلاحيين، تحديداً من كتلة «الأمل» البرلمانيَّة المحسوبة على الرئيس حسن روحاني، وهو ما يُفسّر ربما الجدال الذي نشب بين الرئاسة ومجلس الخبراء، وبلغ أعنف صوره عندما اندفع الرئيس روحاني للمعركة بنفسه، وانتقد أداء خبراء الدستور، في اجتماع مهم مع المحافظين والقائممقامين، امتنع التلفزيون الرسمي عن بثّها على الهواء مباشرة، قبل أنْ يعود مجدّداً ليكيل تحذيرات مشدّدة، لهذا النهج الذي يُبعد الناس عن الانتخابات ويقلل نسبة المشاركة فيها، كما فعل في خطابه إلى الشعب الإيراني يوم 11 شباط؛ الذكرى (41) لانتصار الثورة الإسلاميَّة.
مكوّنات الخطّ الإصلاحي من أقصى يساره المتمثل بمنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية (جماعة بهزاد نبوي)، إلى أقصى يمينه ممثلاً بكوادر البناء (جماعة هاشمي رفسنجاني) مروراً بحزب المشاركة ومجمع علماء طهران وجماعة الرئيس روحاني وأنصار الرئيس الأسبق محمد خاتمي؛ هؤلاء جميعاً اتفقوا على كلمة واحدة، بأن مجلس الصيانة قاد حملة ممنهجة لحذف مرشحيهم في إيران كلها، ولاسيّما العاصمة طهران ومراكز المدن الكبرى، والأهمّ من ذلك ما ذهبوا إليه من أنَّ «الهندسة الانتخابية» لانتخابات 21 شباط الحالي، صُممت على أساس إخراج الإصلاحيين من المجلس الحادي عشر، وفرض سيطرة اليمين الأصولي عليه، تمهيداً لسيطرة موازية على موقع الرئاسة بعد روحاني، وربما مواقع أُخر أهمّ وأخطر قد تشغر، وسط متغيّرات مفاجئة ممكن أن تضرب الحياة السياسية الإيرانية!
اختلف التيار الإصلاحي في مواجهة الموقف، تماماً كما كان يحصل إبّان أزماته الانتخابية السابقة، فهناك من دعا لمقاطعة الانتخابات مستدلاً بمؤشرات رقمية أعتقد أنها غير دقيقة، تفيد بأنَّ نسبة المشاركة لن تتخطى 20 %، وهناك من هدّد بأنَّ الإصلاحيين ليسوا ديكوراً لتزيين الانتخابات وإضفاء التنوّع عليها، وذكروا صراحة بأنَّ انتخابات المجلس النيابي القادم، هي في حقيقتها منافسة من دون منافس، أو منافسة بين فصائل اليمين والجماعات الأصوليَّة نفسها، كما هناك من حزم أمره على المشاركة، بل وتخطى ذلك إلى تقديم قائمة مرشحين خاصة في طهران، كما فعل حزب كوادر البناء، معتقداً أنَّ فرص الإصلاحيين لا تزال كبيرة، لا سيّما في العاصمة طهران والمدن الكبرى، وأنَّ مقاعدهم في البرلمان المرتقب لن تقلّ عن مئة وعشرين مقعداً!