د. حسين القاصد
نعم هو ليس عريقاً بأيّ شيء من دون ثقافته، فهو مهد الكلمة الأولى وموطنها. منذ ستة عشر عاما، كان العراق وما زال رزقا للفضائيات المريبة والأخبار العاجلة، والإعلاميين المأجورين، وجيوش الساسة الألكترونيين، الذين يصنعون لهم رأيا شعبيا مزيفا.
ترى هل أخطأ العراق الجديد بفصل الثقافة عن الإعلام بعد أن دجّن النظام المباد أغلب المثقفين للترويج لإعلامه السلطوي المقيت؟
إذا قلنا أخطأ فنحن محقون جدا لأن المثقف العراقي عاد إلى جذوره الجاهلية من إعلام السلطة والقبلية، وإذا قلنا حسنا فعل العراق بفصل الثقافة عن الإعلام، وهما لا ينفصلان، فالثقافة في أصلها إعلان ضوء ضد كل عتمة وظلام.
بعد سقوط النظام السابق أهملت السلطات وزارة الثقافة بالكامل، وصار المثقف العراقي ديكورا أو حديقة خلفية للساسة، ينظر لها الساسة بأنها إكمال كابينة حكومية لا أكثر.
وفي ظل المحاصصات والصراعات، ذهبت الوزارة إلى غير أهلها؛ مرةً إلى وزير انشغل بالصراع الطائفي والارهاب حتى وصلنا لتفجير قدس الثقافة العراقية، وأعني به شارع المتنبي؛ ومرةً استُوزر شخص عسكري لتشابه اسمه مع الفنان الراوي، ثم توجت الوزارة بعزلة كاملة حين تولاها كاتب صحفي ينتمي لأحدى القوميات العراقية، وكان يصرّ في استقباله ضيوفه من خارج العراق، بأنه ينتمى إلى تلك القومية وليست غيرها! نعم يا سيادة الوزير، أنت من تلك القومية، لكن الوزارة عراقية وليست حصة لقومية ما أو طائفة ما، فما شأن الضيوف العرب أو الأجانب بقوميتك وطائفتك أو دينك؟ وماذا ينفعك ذلك، فأنت وزير ثقافة العراق بكل عمقه وتاريخه وكل ثقافته.
الآن، وبعد احتدام أمور تشكيل الحكومة الجديدة، نرى أن أغلب المثقفين لهم رأي في من يتولى أمرهم؟
وزارة الثقافة ليست ذات ميزانية كبيرة تغري الكتل المتصارعة، لذا نرجو أن تتركوها بكامل فقرها للمثقفين، لأن في فقرها غنىً العراق، وخير دليل أننا منذ ستة عشر عاما لم يستحسن منا العالم العربي والأجنبي سوى الثقافة والأدب وهما صورة العراق المشرقة المضيئة؟
لذلك، وبعد كل تضحيات شباب العراق من شهداء وجرحى، ندعو السيد رئيس الوزراء المكلف أن يترك الشأن الثقافي لأهله، لأنهم إذا اختاروا وزيرهم لن يزعجوا الدولة والشعب في أي شيء.
نتمنى على الحكومة الجديدة ورئيسها المكلف، النظر بكل عيون الاعتبار لثقافة العراق وارثه الحضاري والثقافي وقيمة مبدعيه العليا وعلو كعبهم وبصمتهم الواضحة وصوتهم الواضح من أجل سلامة العراق ووحدته.