ضحايا الاحتلال والارهاب في البلاد

آراء 2020/02/17
...

زهير كاظم عبود   
لم يتجرأ الجنرال الإنكليزي (مود)، حين وطأت أقدامه أرض العراق، بتاريخ 11 مارس 1917، أن يقول إنه جاء فاتحا للعراق، ولم يشأ أن يقول إنه جاء ليحتل العراق، إنما قال إنه جاء لتحرير العراق، واشتهرت مقولته تلك (جئناكم محررين لا فاتحين). وتحت هذا الشعار دخلت القوات البريطانية العراق، ولم يكن صادقا في هذا الزعم حين وضع شعب العراق وأرضه تحت الانتداب البريطاني بزعم أنه لا يستطيع تكوين دولته ما لم يستعن ببريطانيا العظمى. 
وطيلة زمن المعارضة العراقية لنظام الدكتاتور صدام حسين، كانت الولايات المتحدة الأميركية تزعم أنّها ستساعد العراقيين للتخلص من هذا الدكتاتور الجاثم على صدور العراقيين، الذي استباح أرواح أهل العراق وأذاقهم الويل وشتتهم وأفقرهم وأذلهم، ولم تكن تقول إنّها ستحتل العراق، ومع هذا فقد تم احتلال العراق تحت ذريعة التحرير، وتحرير العراق من سلطة الدكتاتور الذي استباح الدستور والقوانين لا يبيح لأميركا أن تستبيح القانون الدولي والوطني. 
وكان القانون الدولي قد عالج حالة الاحتلال، فأشار إلى أن اصطلاح الاحتلال يعني السيطرة العسكرية بالقوات المسلحة لدولة على أرض دولة أخرى ووضعها تحت سيطرتها، وبذلك تصبح تلك الدولة تحت قوة الدولة المحتلة. وعرفت المادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907 الاحتلال كما يلي: (تعتبر أرضاً محتلةً حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو. ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي أقيمت فيها مثل هذه السلطة ويمكن أن تمارس فيها). وتشكل لوائح لاهاي لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، وبعض أحكام البروتوكول الأول لسنة 1979 الإضافي لاتفاقيات جنيف لسنة 1949، الأسس القانونية التي تعالج قضية الاحتلال. 
وإزاء تلك المعاهدات والمواثيق الدولية تكون دولة الاحتلال مسؤولة مسؤولية مباشرة عن جميع الجرائم والأضرار والانتهاكات التي تحدث من قواتها المسلحة أو من جراء سياستها على أفراد الدولة التي وقعت تحت الاحتلال، وبالتالي فإن حقاً للأفراد ينشأ في مطالبة دولة الاحتلال بالتعويضات واللجوء إلى القانون والقضاء في حال الامتناع، حيث يتم الخضوع إلى القانون الدولي في الانتهاكات والخروقات والجرائم التي ترتكب. 
إلّا أن أصدار قوات الاحتلال قرارات تمنع فيها العراقيين من مطالبتها بالتعويضات، كما تمنعهم من إقامة الدعاوى في المحاكم العراقية لمحاسبة مرتكبي الجرائم، يعد أمرا منافيا للعدالة ولمعايير القانون الإنساني، وبالتالي فإن تلك القرارات التي تعيق تحقيق العدالة وتمنع المواطن المطالبة بحقه لا تجد لها أساسا قانونيا وليس لها قاعدة قانونية ترتكز عليها، وهي ليست إلّا مجرد اغتصاب لقواعد القانون الدولي من قبل القوات المحتلة في العراق تطبيقا لمبدأ قانون الأقوى.  وبعيدا عن الشعارات والمواقف السياسية فإن أفعالا يتم فيها إحداث أضرار في بيوت وممتلكات العراقيين، وقبلها جرائم تطال الأبرياء الذين يقعوا تحت رصاص القوات المحتلة، سواء عن طريق الخطأ أو عن طريق العمد، أو في حال أن يتبين عدم صحة المعلومات ضد المجني عليه الذي يخسر حريته وماله وكرامته، بالإضافة إلى الأضرار المادية والمعنوية بما فيها الجسدية التي تصيب الناس من جراء تصرفات قوات الاحتلال. 
ومن الغريب أن الأمم المتحدة، وهي تصدر قراراتها التي تشرع وتوفر للقوات المحتلة القاعدة القانونية في الاحتلال، لم تشر إلى هذه النقطة، ولم تلتفت إلى هذه الحالات التي بقيت سائبة، وكما أن المشرع العراقي الذي بالغ بدراسة حقوق وامتيازات أعضاء البرلمان تناسى حقوق العراقيين المتضررين من جراء أفعال القوات المحتلة، ورضخ لهذه القواعد التي قررها الأميركان والتي صارت قواعد ملزمة وإن كانت تنتج الأثر الضارّ بحق العراقيين فقط. 
ووصل التمادي في تطبيق تلك الخروقات والاغتصاب للقانون الدولي أن يتم ارتكاب جرائم القتل العمد مصحوبا بالاغتصاب ومقترنا بالاعتراف الصريح على مجني عليهم عراقيين وفوق الأرض العراقية ومن جنود أميركيين، وخلافا للاختصاص المكاني والزماني، والاستخفاف بالقضاء العراقي، ليتم إحالة المتهمين منهم إلى المحاكم العسكرية الأميركية التي تحكمهم وفقا لمقتضيات القوانين الانضباطية والأعراف الأميركية، من دون الإشارة إلى أيّ حق لذوي الضحايا، من دون أي اعتبار لما تزعمه الولايات المتحدة من احترامها لمشاعر وأعراف العراقيين، من دون أي اعتبار للحقوق التي تترتب على الدولة المحتلة.  
وإذا كانت جرائم الحرب من بين الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية العراقية العليا فإن ولاية المحكمة كما ينص القانون تسري خلال فترة زمنية محددة وعلى كل شخص طبيعي سواء كان عراقيا أو غير عراقي مقيم في العراق ومتهم بارتكاب تلك الجرائم، وحين تصطدم تلك الصلاحيات بالاختصاص الزمني وبالنص الذي حددته القوات المحتلة واستعلائه على النصوص القانونية العراقية، وبذلك  يتم شل نصوص القانون بحق أفراد القوات المسلحة الأجانب من غير العراقيين المتواجدين في العراق والذين تصار أفعالهم فوق القانون لا يمكن للمواطن العراقي مقاضاتهم أو محاسبتهم، ولا يمكن للفعل الضار المحدث أن يتم تعويضه ولا يمكن للمحاكم العراقية  أن تقوم بالتحقيق معهم أو محاكمتهم عن الجرائم المرتكبة في العراق. 
وحريّ بمجلس النواب العراقي أن يلتفت إلى هذه النقطة ويشرع قانونا عراقيا لسد الثغرة والخلل على الأقل بما يعالج وضع العراقي، وأن تلتفت الحكومة العراقية إلى الأعداد الكبيرة من المتهمين الذين كانوا موقوفين في سجون الاحتلال، وهؤلاء مواطنون عراقيون وإن كانوا متهمين بارتكاب جرائم جنائية أو أرهابية فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، وقوات الاحتلال وضعتهم في سجون عسكرية لمدد طويلة مما يجعل على عاتق السلطة  القضائية أن تتفرغ لمعالجة تلك الملفات بالسرعة المتناسبة مع حجم محنة العراقيين، إذ حتما أن بينهم أعدادا كبيرة من الأبرياء والمشتبة بهم الذين صدرت القرارات بالافراج عنهم وإخلاء سبيلهم، وكذلك تشريع القانون الذي يمنح من تثبت براءته التعويض المالي المناسب والمستعجل لمعالجة حالته ووضع عائلته من قبل الحكومة والقضاء العراقي. 
وإذا كان العالم تحكمه المعاهدات والاتفاقيات والقوانين الدولية، فإن التصرفات القانونية الدولية التي تصدر عن أشخاص القانون الدولي تنتج آثارا قانونية، في القضايا المتنازع عليها بين الدول، أمّا أن تقوم دولة محتلة بشطب أي حق لمواطن الدولة الواقعة تحت الاحتلال، فإنها تلغي مسألة المطالبة وتستلب الحق وتغتصب النصوص القانونية الدولية التي طالما تعكزت عليها في العديد من قراراتها حين يتعلق الأمر بمصالحها. 
إن القانون الجنائي إمّا أن يكون وطنيا وإمّا دوليا، وبالنظر لصدور جميع القرارات الدولية التي تعالج الوضع العراقي وتضعه تحت الاحتلال، وغياب معالجة حقوق المتضررين من جراء أعمال الاحتلال، ما يستوجب في مثل هذا الحال إخضاع تلك الجرائم الى الاختصاص الوطني، أو على الأقل الإحالة إلى المحكمة الدولية التي ولدت في تموز 2002، وإذ إن الولايات المتحدة الأميركية لم توقع الاتفاقية الخاصة بإنشاء تلك المحكمة، بالإضافة إلى أن العراق من بين البلدان غير الموقعة على تلك الاتفاقية، ما يخلق نوعا من التعارض في سبيل تحقيق العدالة ويمنع اللجوء إلى المحكمة الدولية، وبالنظر لامتناع قوات الاحتلال خضوع أفرادها  للقانون الوطني وتطبيقها قانون الدولة المحتلة، فإن الأمر بحاجة إلى موقف عراقي رافض لذلك الإصرار على الامتناع وطرح الأمر على المعنيين في مجلس الأمن، وحصر النظر في تلك الجرائم التي ترتكب على مجني عليهم عراقيين وعلى الأرض العراقية ومن قبل أشخاص طبيعيين غير عراقيين من قبل القضاء الوطني وتطبيق القانون الجنائي النافذ. 
كما أن عدم خضوع القوات المحتلة لأي قانون سوى قانونها لا يبيح لها ارتكاب الأفعال الجرمية بحق العراقيين ولا بإحداث الأضرار في ممتلكاتهم من دون مساءلة قانونية،  وأيضا لم يتم تعيين حدود لتلك الحصانة ولا من يتمتع بها، والأمر في كل الحالات ليس سوى اغتصاب للقانون الدولي واستخفاف بحقوق العراقيين . 
وإذا كان هناك رأي يقول إن قانون المحكمة الجنائية العراقية هو قانون تم تشريعه بعد احتلال العراق، فإن قانون العقوبات العراقي، رقم 111 لسنة 1969، حدد ضمن الفرع الثاني في باب تطبيق القانون من حيث المكان أنّه تسري أحكام هذا القانون على جميع الجرائم التي ترتكب في العراق وتعتبر الجريمة مرتكبة في العراق إذا وقع فيه فعل من الأفعال المكونة لها أو اذا تحققت فيه نتيجتها أو كان يراد أن تتحقق فيه، ما يجعل سريان القانون الوطني على تلك الجرائم يستند على نصوص قانونية تعززها المعاهدات والاتفاقيات 
الدولية.