تسريبات

آراء 2020/02/18
...

د. كريم شغيدل

 بغض النظر عن موقفنا أو تحفظاتنا على الطريقة التي اختير فيها رئيس الوزراء المكلف السيد محمد توفيق علاوي، وليس على شخصه، فإن مهمته صعبة ومعقدة، والتحديات التي ستواجهه هي نفسها التي تواجه كل رئيس وزراء عراقي، ذلك أن مبدأ المحاصصة لم يعد مجرد عرف سياسي، بل أصبح قانوناً وهيكلاً توافقت عليه الكتل السياسية من دون استثناء، وهو في الواقع حقل ألغام لا يمكن اجتيازه إلا من خلال أدلاء يتفقون على رسم طريق آمن، والأدلاء هم أنفسهم رؤساء الكتل.
     لقد بدأت التسريبات تنتشر، لا بشأن المرشحين فحسب، وإنما بشأن مطالب الكتل، وبات من المعروف لدى الشارع العراقي أن غالبية السياسيين ينتقدون المحاصصة في العلن ويقاتلون من أجلها في الاتفاقات السياسية حتى وإن وصل الأمر إلى تعطيل أو إفشال عملية اختيار الكابينة الوزارية، ولا أحد يستطيع أن ينفي أو ينكر ما يتعرض له الآن رئيس الوزراء المكلف من ضغوطات حتى من الكتل التي تدعي الإصلاح وتطالب بالتغيير، فضلاً عن كونه محسوباً على جهة سياسية معينة ستفرض عليه شروطها وتمنهج مسار اختياراته.
    اختيار السيد علاوي بوصفه مرشح أزمة لا يفسح له المجال بالتحرر كلياً من آليات التحاصص، وهو في قرارة نفسه ربما يفكر بكونه مرشح مرحلة حرجة قالت فيها الجماهير العراقية كلمتها في التغيير، بعيداً عن الإرادات المتحكّمة بالعملية السياسية منذ سقوط النظام الدكتاتوري حتى اليوم، وعليه سيكون أمام امتحان صعب، بين إرضاء الكتل السياسية من جهة وساحات التظاهر من جهة ثانية، وبحسب بعض التصريحات والتسريبات يحاول الرجل أن يمسك العصا من الوسط، مع ميله لاختيار كابينته الوزارية من مجموعة مستقلين تكنوقراط، لإدارة المرحلة المقبلة التي يمكن وصفها بالانتقالية بحكم المتغيرات التي نتوقعها فيما لو تم تنظيم انتخابات مبكرة عادلة تأخذ فيها بعض الكفاءات فرصها الحقيقية لانتشال البلد من براثن الفساد والمحاصصة.
    موهومٌ من يعتقد بأن الحكومة المقبلة ستستطيع مواجهة الفساد بحزم، أو تتمكن من تحييد مافياته وحيتانه الكبيرة، فهي ستبقى مقيدة ويبقى عملها مقروناً بتصريف الأعمال لحين إقامة انتخابات جديدة، فلا الوقت ولا الظرف السياسي سيسمحان بذلك، وهناك احتمالان: الأول هو خضوع السيد علاوي لاشتراطات الكتل السياسية وقبول مرشحيها، وهنا ستسعى الكتل لإبقاء الوزارة بصفة تكميلية للوزارة المستقيلة. الثاني يتمثل باستجابته لساحات التظاهر في اختيار الأكفاء المستقلين، وهنا ستتضافر جهود الكتل المتضررة من أجل إفشاله أو في أحسن الاحتمالات الضغط باتجاه الانتخابات المبكرة التي ستستعد لها الكتل السياسية استعداداً استثنائياً يفوق استعداداتها السابقة لتستنفد كل وسائلها الشرعية وغير الشرعية للاستحواذ على العملية السياسية من جديد.
    إذا ما صدقت تسريبات البورصة السياسية المتناقلة بين الأوساط المختلفة، فإن الوزارة المرتقبة سيكون مخاضها أشد من عسير، لكونها لا توحي بالاستقلالية ولا تلبي مطالب الشارع العراقي وبالأخص ساحات التظاهر.