ماثيو بيتي/ عن موقع مجلة "ناشنال انتريست" ترجمة – انيس الصفار
تتجهُ روسيا وتركيا نحو كابوس من سيناريوهات حقبة الحرب الباردة بعد أن أسفر القتال بين القوتين العظميين في سوريا عن مقتل جنديين تركيين.
الرئيس السوري بشار الاسد مستمر في دفع قواته صوب إدلب، وهي آخر معقل قوي متبق للمتمردين في سوريا، متلقياً الدعم والاسناد من روسيا. أما تركيا فتواجه ازمة انسانية قرب حدودها مع فرار ما يقارب مليوني سوري من وجه نظام الاسد وهم لا يملكون ملاذاً آخر يفرون اليه. جعل ذلك القوات التركية تدخل الى إدلب لوقف الهجوم، والان تتأمل الولايات المتحدة الموقف وتقلب الأفكار: كيف ينبغي أن يكون ردها ازاء هذه التوترات المتصاعدة.
هذه المخاوف المتجددة بخصوص الدور الأميركي في المنطقة جاءت في أعقاب ضربة جوية سددها الروس، أو ربما القوات الموالية للأسد، أسفرت عن مقتل جنديين تركيين خلال هجوم مضاد كان يشنه المتمردون على شرق إدلب يوم الخميس الماضي. رداً على ذلك طلب الجيش التركي من الولايات المتحدة، كما تفيد التقارير، أن تقوم بنشر صواريخ مضادة للطائرات وتباشر بدوريات جوية في تركيا من اجل ردع الروس.
في مؤتمر صحفي عقد يوم الخميس في العاصمة الأميركية قال "روبرت فورد"، السفير الأميركي السابق لدى سوريا: "لم يسبق أن شهد حلف الناتو معركة بمثل هذه الشدة تدور رحاها على كل هذا القرب من حدود دولة عضو."
احتمالات تدخل حلف الناتو في سوريا كشفت عن تصدعات في المواقف بين وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين بشأن مهمة الولايات المتحدة في سوريا. فوزارة الدفاع كانت من أوثق الحلفاء المتبقين لتركيا في واشنطن بعد أن بدأ الجيش التركي باستخدام صواريخ روسية مضادة للطائرات ومهاجمة القوات التي تدعمها الولايات المتحدة، بقيادة كردية، في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا.
بيد أن التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة تنصب جهوده على دحر "داعش" في الجزء الشرقي من سوريا، على حد تعبير العقيد "مايلز كيجنز" المتحدث باسم عملية "العزم المتأصل" التي تشنها قوة العمليات المشتركة في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز". أشار كيجنز الى إدلب بقوله أنها مغنطيس يجتذب اليه الجماعات الارهابية التي تشكل قلقاً وتهديداً ومصدر خطر على المدنيين.
في تصريح لاحق أضاف كيجنز: "نحن نواصل توجيه الطلبات تباعاً الى القوات الموالية للنظام كي توقف هجومها وتسمح بمرور المساعدات الانسانية الى المنطقة."
في وقت سابق كان الجيش الأميركي قد دعا الى خفض التصعيد. ففي يوم الاربعاء الماضي صرح "جوناثان هوفمان" المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية قائلاً: "نحن نرى الروس والاتراك قد اقتربا جداً من حافة صراع اكثر سعة في المنطقة، وملؤنا الأمل في أن يتوصل الجانبان الى حل يجنبهما ذلك. الأمر في سوريا يتطلب تسوية سياسية وهذا سيصب في صالح الشعب السوري."
أما وزارة الخارجية فقد صدرت عنها إشارات أقوى بخصوص دعم تركيا وقوات المتمردين التي يدعمها الاتراك في ادلب منذ بدء الأسد هجومه في مطلع شهر شباط الحالي. فقد صرح وزير الخارجية "مايك بومبيو" عقب مقتل عدد من عناصر قوات حفظ السلام الاتراك في ادلب على يد القوات الموالية للأسد بتاريخ 2 شباط قائلاً: "نحن نقف الى جانب تركيا حليفنا في حلف الناتو، وندعم بالكامل اجراءاتها المبررة في الدفاع عن نفسها."
كان السفير "جيمس جيفري"، وهو مسؤول وزارة الخارجية المشرف على الشأن السوري، في تركيا بتاريخ 11 شباط عندما اندلعت الصدامات في إدلب بين القوات التركية والأخرى الموالية للاسد، وهي صدامات أسفرت عن مقتل خمسة جنود أتراك.
صرح جيفري قائلاً بالتركية: "اليوم يواجه حلفاؤنا الجنود الاتراك في ادلب خطراً يهددهم، وقد سقط لنا شهداء على الارض."
بعد ذلك بيومين تحدث جيفري عبر التلفزيون التركي فقال أن روسيا وإيران والأسد سوف يأتون الى طاولة المفاوضات متى ما رؤوا أنهم لن يستطيعوا تحقيق مزيد من التقدم العسكري ما لم يصطدموا بنا .. أو بالقوة الجوية الاسرائيلية أو بتركيا."
بالاضافة الى ذلك دعا مسؤولان سابقان في وزارة الخارجية الاميركية الولايات المتحدة لدعم تركيا بمواجهة روسيا، وذلك من خلال مؤتمر صحفي عقد في العاصمة الاميركية يوم الخميس الماضي.
يؤكد وائل الزيات، الذي خدم مع فورد وجيفري، أن سجل فظائع الأسد يجعل كل ما اقترفته داعش يبهت بالمقارنة. وقد دعا الى اتخاذ اجراء عاجل لتأمين الدعم السياسي والمادي للقوات التركية التي تمثل اليوم آخر خط دفاعي، اجراء عاجل من قبل حلف الناتو لإرسال رسالة الى روسيا مغزاها أن ما يجري قرب حدود الحلف أمر مرفوض وأننا سوف ندافع عن حليفنا، على حد تعبير الزيات.
يقول فورد: "من المهم في اعتقادي ان تلتقي حكومة الولايات المتحدة، وكذلك حكومات دول حلف الناتو، بالمسؤولين الاتراك للتباحث في كيفية انشاء منطقة آمنة للمدنيين السوريين على الجانب السوري من الحدود السورية التركية. الاتراك قادرون على مد يد المساعدة في انشاء هذه المنطقة الامنة من داخل تركيا، ولكنهم سيحتاجون الى مساعدة الولايات المتحدة لأنهم يواجهون روسيا."
أكد فورد لمجلتنا أنه لا يدعو القوات الأميركية للانتشار داخل سوريا نفسها، مضيفاً أن أي عملية نفوذ تقوم بها الولايات المتحدة في إدلب "بدوريات القتال الجوي" قد تعني "سيناريو حرب عالمية ثالثة."
القوات الأميركية تتخذ وضع انتشار حالياً في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا بتحاذ مع قوات مكافحة الارهاب التي يقودها الكرد. وتفيد التقارير بأنها تسبب بمقتل رجل من أهالي المنطقة خلال صدام مع الجماعات المسلحة الموالية للأسد في 12 شباط الماضي، كما اوشكت على الاصطدام بمركبة عسكرية روسية على جانب الطريق في مواجهة حدثت يوم الاربعاء.
قال كيجنز في حديث مع مجلة "تايمز العسكرية" عقب حادثة يوم الاربعاء: "هدف التحالف هو خفض التصعيد الذي يمكن أن ينجم عن أي مواجهات غير مقصودة مع القوات الأخرى العاملة في شمال شرقي سوريا."