شكليّات ديمقراطية

آراء 2020/02/23
...

حمزة مصطفى
كلّ أربع سنوات نجري انتخابات، منذ العام 2003 حتى اليوم. عال العال! كلّ أربع سنوات يصعد نواب إلى البرلمان ويقصى آخرون. هذه هي قواعد اللعبة الديمقراطية. (خوما النمسا أحسن من عدنا). كل أربع سنوات نتقاسم المناصب السيادية طبقا للمكونات، (شنسوي) نحن بلد تعددي عرقيا ومذهبيا ودينيا. الهند، كذلك، بلد تعدديّ، وأميركا، هي الأخرى، بلد تعدديّ، وكلاهما بلدان ديمقراطيّان. يعني مثلنا تماما من حيث شكليات الديمقراطية. ولكوننا كذلك، فلا بدّ من مراعاة حقوق المكونات مرة، والاستحقاق الإنتخابي مرة أخرى، والكوتا النسائية، والأقليات (خوما تنسوها).
من شكليات الديمقراطية لدينا هي الاحتكام الى الدستور، لا نعمل شيئا غير دستوري، لا سامح الله، بما في ذلك توزيع المناصب. وبما أننا، منذ العام  2003 حتى اليوم، نوزع المناصب على أساس واحد أطلقنا عليه الديمقراطية التوافقية، فإنّنا احتكمنا إلى العرف مع  إقرارنا بعدم الإشارة اليه في الدستور. هذا ينطبق على الرئاسات الثلاث التي تُوزَّع حسب المكونات، والوزارات السيادية هي الأخرى توزع كذلك. بعد 17 عاما اكتشفنا، بطريق المصادفة طبعا، أنّ هذه الديمقراطية، بهذه الطريقة الحزبية المكوناتية، جلبت لنا المشكلات والويلات، فصرنا نبحث عن المستقلين لشغل المناصب والمواقع كلها، من أعلى رأس الهرم إلى كراجي النهضة والعلاوي. ما هو المستقل؟ أنْ يكون مستقلا عن الإنتماء الحزبي. هنا (نزلنا شوية على الترابي). أن يكون غير مزدوج الجنسية (هذه بيها باب وجواب). أن يكون غير مشارك سابقا لا في الإنتخابات ولا في الحكومة. لماذا؟ لأنّ المجرّب لا يجرّب.
كيف نرشح رئيس الوزراء؟ الكتلة الأكبر هي التي ترشحه. هذا جزء من شكليات الديمقراطية المعمول بها في كل العالم الديمقراطي. أي الأكثرية التي تسمى الموالاة، ويقابها الأقلية ويطلق عليها المعارضة، التي بإمكانها تشكيل حكومة تسمى حكومة ظل مثلما معمول بها في بريطانيا. (قابل بريطانيا أحسن منا؟).
هل عملنا بهذا المبدأ الدستوري؟ والله ما أدري. كيف لا تدري. ألستَ شاهدا على الدورات الإنتخابية منذ العام 2010 حتى اليوم؟ أليس كل أربع سنوات نهرع الى المحكمة الاتحادية لكي تفسر لنا مفهوم وما هي ومن هي وكيف هي ولماذا هي الكتلة الأكبر؟ وفي كل أربع سنوات حين نهرع اليوم نعرف أن المحكمة الإتحادية، بعد غد، ستجيبنا الجواب نفسه الذي أجابتنا به المرة الماضية بالحرف والنقطة والفارزة (حتى أنني أتذكر لحد الآن، في أحد السطور، يجب أن تكون الهمزة هي همزة وصل لكن جاءت همزة قطع).
اليوم بعد أن تقلصت آمالنا من حكومة لمدة أربع سنوات إلى حكومة قلنا عنها حين تشكلت إنّها لن تكمل عامها الأول، الى حكومة بمهمة واحدة وهي إجراء انتخابات مبكرة فقط وطبعا معها بعض البهارات مثل إعادة هيبة الدولة وحصر السلاح بيد الدولة وتعهدات أخرى قابلة للتأجيل مرة والتأويل مرة أخرى طالما أنّ القصة تبقى مجرد شكليات ديقمراطية. الشيء الوحيد الذي طلع لنا (صفح) هو فايروس كورونا. المشكلة أنّ هذا الفايروس لا يعرف مكونا ولا عرقا ولا طائفة ولا كتلة أكبر أو كتلة أصغر. الشيء الوحيد الذي يعرفه هو الإهمال، وبلغة أهلنا أيام زمان (السفردحة). الحدود سفردحة. المطارات سفردحة. المستشفيات سفردحة. وحتى ديمقراطيتنا، على الرغم من شكلياتها الحلوة، هي الأخرى سفردحة.