أهمية الاستنفار الصحي لمواجهة كورونا

آراء 2020/02/23
...

 د. عبد الواحد مشعل
يمرّ العالم بأخطر أزماته الصحية خلال العصر الحديث، التي تضرب مشارق الأرض، من معقله في الصين وانتشاره إلى مناطق أخرى من العالم بسرعة مذهلة، وقد وصلت آثاره على مقربة من العراق، الأمر الذي يتطلب استنفاراً صحيّاً رسمياً وشعبياً يتجاوز حدود التحذير إلى النزول إلى الميدان بفرق صحيّة تجري فحوصات ميدانية في مناطق متفرقة من العراق.
ترافقها حملة توعية واسعة النطاق تتجاوز الأساليب التقليدية إلى اعتماد وسائل الإعلام الجديد من الفضائيات والإنترنت والواتساب وغيرها من الوسائل الجديدة سريعة الوصول إلى قطاعات واسعة من الشعب.
ينبغي إعطاء الأمر أهميته القصوى شعبياً ورسمياً، والاستعانة بالخبرات الأجنبية المتقدمة، ولا سيّما أنّ القطاع الصحي العراقي مصاب بالانهيار والكسل والتأخر، فالوقاية مهمة جدا، وتتطلب الأخذ بكل الاحتياطات اللازمة في المدارس والأسواق والأماكن المزدحمة والمناطق السكنية. إذا ما وجدت حالات المرض في منطقة من العراق، لا سامح الله، فانتشاره سيكون كارثياً مع تراجع خدمي مخيف في المؤسسات الصحية، وينبغي في هذا المجال استعمال الشفافية في الإعلان عن المرض إذا ما حصلت حالات منه، لا سامح الله،  في أيّة منطقة من العراق، لأنّ ذلك سيزيد من حرص المواطنين على اتخاذ التدابير الوقائية.
تقع مسؤولية كبرى على الحكومة في المرحلة الحالية في التركيز على مخاطر المرض ومنع دخوله البلاد واستعمال كلّ الأساليب والقوة المطلوبة لمنع ذلك، كما ينبغي منع المواطنين من زيارة البلدان التي تظهر فيها إصابات، وإخضاع القادمين إلى فحص صحي دقيق، فهو أقسى من الحروب. وتزداد خطورة ذلك مع تراجع الوعي الصحي لدى قطاع واسع من الناس، فضلا عن افتقار المستشفيات الحكومية الاحتياطات اللازمة للتصدي للمخاطر الطارئة، فلم يحظ القطاع الصحي بالعناية الكافية خلال المرحلة الماضية، كما لم يتم الحفاظ وحماية الأطباء والكوادر الصحية من المخاطر التي يتعرضون لها ما جعل الكثير منهم يغادرون البلاد الأمر الذي أدى إلى إفقار البلد من الكفاءات الوطنية المهمة. وإزاء هذا الواقع لا بدّ أن تسعى الحكومة فورا للتعاقد مع أرقى المؤسسات الصحية العالمية، وجعل المحور الصحي يعلو فوق كل المحاور ويسمو على كل الأزمات، وتأجيل الخلافات السياسية التي لم يحصد منها العراق إلّا مزيدا من الخسائر أبرزها الفساد المالي والإداري الواسع النطاق، والذي حال دون استغلال الزيادات في الموازنات السنوية التي بلغت مئات المليارات في بناء بنى خدمية ومنها الخدمات الصحية، والتي كان بالإمكان بناء أرقى المشافي وبتأهيل عالي المستوى، إلّا أنّ الواقع يؤشر على العكس من ذلك تماما، وعليه يتطلب من الجميع استنفارا عاليا، وبمسؤولية عالية المستوى، للتصدي لمخاطر المرض الذي بات ينتشر في المحيط الإقليمي للعراق، لذا ينبغي غلق الحدود التي قد تكون مصدرا لهذا الوباء، وإيقاف الرحلات البرية والجوية واتخاذ الوسائل اللازمة لضبط الحدود وعدم السماح بدخول أيّ وافد، كما ينبغي توخّي الدقة في عملية استيراد البضائع من الخارج، ووضع شروط صارمة من الفحص، أو إيجاد بدائل لاستيراد البضائع الأساسية والاستغناء عن البضائع الأقل أهمية.
أنّ الإجراءات الرسمية الوقائية وحدها غير كافية ينبغي استنفار الجهد الشعبي ومنظمات المجتمع المدني، وكل الهيئات وحتى العشائر للوقاية من المرض فالعراق من المناطق الرخوة، فهو لا  يمتلك القدرات الصحية اللازمة للتصدي للمخاطر الصحية 
الطارئة.
وينبغي كذلك استنفار القوات المسلحة للقيام بدورها الأمني في حماية الحدود واستنفار القوى الأمنية والجهات الصحية بكل مسمياتها الى رصد أيّة حالة وتخصيص هواتف طوارئ تعمل على مدار الساعة للتبليغ عن أيّة حالة قد تحصل هنا وهناك.
ينبغي على وزارة الصحة توزيع الأقنعة اللازمة التي تمنع من الإصابة، وقيادة حملة واسعة  للإعلان عن خطورة المرض وعدم الاستهانة به، كما ينبغي نشر نشرات إرشادية للوقاية، وبأبسط العبارات، لتصل إلى كل قطاعات المجتمع بمستوياته الثقافية المختلفة، كما تقع على رجال الدين مسؤولية شرعية وأخلاقية في حثّ الناس على الوقاية والتنبيه لمخاطر المرض، كما تقع عليهم مسؤولية قيادة حملات توعية في كل العراق، ومن خلال الوسائل المتاحة والمساحة التي يحضون بها لدى الناس، كذلك تقع مسؤولياته على المعلم والمدرس والأستاذ، في مختلف المستويات الدراسية، للتعبير عن مخاطر المرض وتهيئة الطلبة والمجتمع للتصدي له والوقاية منه. كذلك تقع مسؤولية كبرى على وسائل الإعلام المختلفة على إذاعة البرامج المكثفة للوقاية من المرض ونشر الأساليب الواعية بصورة مكررة، وعلى مدار الساعة، بل تقع المسؤولية نفسها على الجميع للاهتمام بالوقاية اللازمة.
وفوق كل ذلك تقع المسؤولية الكبرى على الحكومة بالاتصال بمنظمة الصحة العالمية والمراكز المتقدمة في العالم للمساعدة في الوقاية، وإقامة مستشفيات ميدانية عاجلة مزودة بالعلاجات والعناصر الطبية الكفوءة.
إن أهمية الاستنفار الصحي أصبح واجبا أخلاقيا ووطنيا وشرعيا ينبغي القيام به وعدم الاستهانة بما يحصل في المحيط الإقليمي من إصابات، فالأمر جلل ويحتاج الى وقفة شجاعة من الحكومة والشعب والقطاع الصحي الأهلي والحكومي، وكل منْ له تأثير ودور في هذا المجال، فالوقاية أهم من العلاج، من أجل الحفاظ على سلامة الإنسان الذي يمرّ بأصعب حالاته الصحية والمعيشية، فضلا عن أزمات البلد السياسية والاقتصادية التي باتت تؤثر في حياته اليومية، ما يتطلب التركيز على الجانب الصحي وترك ما دون ذلك من أزمات وإعطاء القطاع الصحي أهميته القصوى، كي يقي ويتحصن الجميع من شر المرض وعواقبه الوخيمة.