ثنائية الرفض والقبول

آراء 2020/02/25
...

نوزاد حسن
  أظنّ أنّ أتعس البشر هو ذلك الإنسان الذي يعيش في ظل أزمة سياسية تهدد وجود البلد كله. ذلك يعني أنّ الإنسان سيكون صورة تعكس أجواء الصراع السياسي القائم بكل تفاصيله. ومن المؤكد أنّ مواطناًّ يحمل همَّ وطنه لن يكون سعيدا. لا أحد يتمتع بقراءة كتاب وهو يرى الشدّ والجذب الذي يرافق حديث تشكيل حكومة يرفض المتظاهرون رئيسها المكلف. كما أنّ الأمان يموت، ونظل نتحدث عن فلسفة القضاء على المحاصصة بشكل مستمر من دون أن نصل إلى نتيجة جيدة، وبهذا نعيش أزمة شخصية سببها الصراع السياسي الذي يجعل بعضهم يهربون إلى قراءة تاريخ العراق الحديث لعلهم يجدون ما يساعدهم على فهم أحداث هذه الأيام وما يرافقها من غموض. دعونا نقف عند لحظة تبدو لي غامضة جدا، ولا أعرف كيف أفهمها جيدا. ومع أنّي أتابع ما يقال هنا وهناك من كلام في الفضائيات، لكني لم أتمكن من معرفة حكاية ما يجري حتى هذه اللحظة. لنأخذ الموضوع ببساطة شديدة وكما نسمعه. رفَض المتظاهرون تكليف محمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة، والسبب معروف للجميع، فهذا المكلف لا يمثل شروط ساحات الاعتصام.
  القوى السنية رفضته كذلك، ويبدو أنّ هذه القوى وجدت أنّ هناك تقاطعاً كبيراً بينها وبين وجهة نظر علاوي. ولعل ما رشح من مواقف يشير إلى رفْض علاوي جميع المرشحين الذين تقدمهم أحزاب تبحث عن الحصول على وزارة أو وزارتين تحت مسمى المكوّن، أو الاستحقاق الانتخابي. التحالف الكردستاني يرفض هو الآخر ولم يكن رفضه ابتداءً، إنّما جاء بعد فترة من مشاورات علاوي مع الأطراف والكتل جميعا. باستثناء التيار الصدري الذي أعلن زعيمه السيد الصدر في تغريدة تبدو حازمة أن يتم التصويت على حكومة مستقلين وغير محاصصاتية، وإلّا فإنّه سيدعو إلى مليونية.
  إذاً، نحن أمام عاصفة رفض غامضة يواجهها السيد محمد توفيق، اتّسعت بمرور الوقت وكأنّ هذه الجهات الرافضة عرفت أن رئيس الوزراء المكلف مضى بعيدا في اختيار وزراء مستقلين بعيدين عن مرشحي الأحزاب. وفي الحقيقة أنا لا أجد تفسيرا أفضل من التفسير الذي يرجّح أن الأحزاب أدركت أنّ علاوي ابتعد عن تلبية ما طلبته منه. وقد أشار نائب في اتحاد القوى إلى امتعاضه من عدم الالتفات إلى الاستحقاق الانتخابي، ومن هنا رجّح هذا النائب مقاطعة البرلمان في حال انعقاد البرلمان لغرض التصويت على حكومة علاوي المرتقبة.
  لنكن واضحين أكثر، ولنتساءل عن امكانية أن يقدم علاوي أسماء لوزراء ينتمون لأحزاب وقد تعهد بأنه سيبتعد عن المحاصصة والحزبية كليا. هذا التساؤل سيتوضح لنا قريبا جدا. ومن هنا أجد أن الأسماء ستعلن وسنعرف إن كانت هذه الأسماء مستقلة أم غير ذلك.
  لكن لنتصور أنّها حكومة مستقلة كليّا فماذا سيكون ردّ ساحات الاعتصام الرافضة له؟ هل حقا ستكون المحاصصة في خطر بعد أعوام انتعشت فيها وأورثتنا خرابا سياسيا واضحا. لننتظر كي نرى الأمور على حقيقتها. ولعل غموض الموقف السياسي جعل المراقبين يتكهنون بأنّ علاوي سيواجه صعوبة في تمرير حكومته.