مناورة علاوي

آراء 2020/02/26
...

محمد خضير سلطان
 
تضمن المنهاج الوزاري لرئيس الوزراء المكلّف، محمد توفيق علاوي، محاور عديدة تخصّ حكومته المقبلة التي تنتظراليوم جدل تفويضها من قبل جلسة البرلمان الاستثنائية، وهذه المحاور أظهرت، في محتواها، طبيعة ومهام هذه الحكومة الانتقالية المحددة، وظرفية تمخضها شبه الصعبة، إذ جاء منهاجها متوافقاً مع أهداف عمل الوزارة الإطاري في التهيئة للانتخابات المبكرة خلال سنة واحدة، فضلاً عن الأسس والأولويات في هذه المرحلة الراهنة والدقيقة التي قامت عليها أسباب ودوافع تشكيلها. وكانت المحاور المنهاجية للنصّ المنشور في جريدتنا، الثلاثاء الماضي، قدِ اشتملت على ثلاثة اتّجاهات خطابية: الأول، مخاطبة مجلس النواب بالصيغة المقبولة المختزلة التي تسعى إلى قبول عام للاقتراع، ومنح الثقة تبعاً للآليات النيابية وتشابكها المتعدد الأنحاء. والثاني، تضمين مطالب التظاهرات في المساءلة، وكشف المتورطين بالإعتداء وارتكاب جرائم القتل والخطف، فضلاً عن الإشارة إلى مسألة مجلس الخدمة الاتحادي بما يرضي الشارع  ويعبر عن رغباته.أمّا الاتجاه الخطابي الثالث، فهو تشكيل لجنة من الخبراء مهمتها تحديد الخطوات المطلوب اّتخاذها في سبيل مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح المنشود، كما جاء في نصّ منهاج علاوي، والخطوات المطلوب اتّخاذها تتحدد من قبل اللجنة المذكورة، وتتقرر على مستوى التنفيذ والتشريع والقضاء.ومن مهامها كذلك، الاجتماع مع الجهات المؤثرة في البلد، وفي مقدمتهم ممثلو المتظاهرين في مختلف المحافظات للاستماع إلى مطالبهم ووجهات نظرهم،
وإذا كان الاتجاه الأول للمنهاج الوزاري يعتمد على إرضاء رئاسة البرلمان في مناقشة كابينة مستقلة، فإنّ إقرار الأمر لن يكون سهلاً لدى القوى البرلمانية والسياسية والحزبية ما لم يتضمن البحث عن صيغة توافقية تعبر عن كابينة مستقلة في الوقت الذي تتجسر فيه الفجوات بين هذه القوى إزاء انقساماتها الكثيرة، وفي أقل تقدير إذا تم لها النجاح، فإنّها تجري تمويها وتصالحاً على نحو معين بين إرادتين، حكومة المستقلين،  والقوى المتعددة إثنياً وطائفياً خارج مبدأ الكتلة الأكبر، والمتشكلة في إطار اكتمال النصاب البرلماني. أمّا إذا كان المنهاج الوزاري واضحاً والرئيس المكلف مصراً في مطلبه، فإنّ سياق التفاوض سوف يصل إلى حالة الاستعصاء والرفض. والاتجاه الخطابي الثاني في ما يتضمن الشارع والتظاهرات ومجلس الخدمة الاتحادي، لا يقل حساسية وخطورة في حالتي الرفض أو القبول لحكومة المستقلين وانعكاسهما على الجمهور المشارك هذه المرّة بصيغة فعالة تتعدى التمثيل النسبي الذي كان معتاداً في تشكيل الحكومات السابقة.  ولعل القوى السياسية والبرلمانية في وضعها الجديد خارج مبدأ الكتلة الأكبر التي كانت تشكل الحكومة وفقاً للدستور، ستجد نفسها مضطرة إلى تنازل تفاوضي خشية من كسر التمثيل النسبي لدى الشارع ومن ثم ستكون كابينة توفيق علاوي أقرب لها منه. إنّ نجاح المناورة التفاوضية لدى تشكيلة علاوي ومنهاجه الوزاري، تدور في فضاءَي مجلس النواب والشارع في ساحات التظاهر، الأول عندما أزاح مبدأ الكتلة الأكبر، والثاني عند سعيه لاكتساب القرار وكسر التمثيل النسبي، وبذلك فإنّ الكتل السياسية ستكون بين خيارين للقبول أو الرفض وهو الأصعب. وهنا يأتي دور الاتجاه الخطابي الثالث الثقافي المفترض الذي يجمع بين الشارع والبرلمان ويتم تحويله إلى مقررات قضائية وتشريعية وتنفيذية.