الضربات الايرانية على «عين الأسد» تكشف عن قدرة الصواريخ

قضايا عربية ودولية 2020/02/26
...

كريستوفر كي كولي/ ترجمة: ليندا أدور
 
شكلَ الهجومُ الصاروخي الايراني على القواعد الأميركية في عين الأسد وأربيل، في الثامن من كانون الثاني الماضي، مفاجأة للخبراء الأمنيين بسبب دقته المعلن عنها. وقد عدّ البعض، حتى الآن، ان ضعف دقة الصواريخ يمثل خللا رئيسا في ترسانة ايران التقليدية، اذ يعتقد ان الخطأ الدائري المحتمل Circular Error Probable” (CEP)، - هو نصف قطر الدائرة الذي يتوقع سقوط الصواريخ التي أطلقت ضمن حدوده-لمعظم الصواريخ الايرانية مجرد بضعة مئات من الأمتار. بعبارة أخرى، انها تعد أسلحة خطرة، لكنها افتقرت الى الدقة اللازمة لاصابة أهداف محددة سواء في البر او البحر. لكن،التقارير تشير الى ان الهجمات الأخيرة ربما كان عامل الخطأ الدائري المحتمل بها منخفضا الى ما بين 5 الى 10 أمتار بعد نجاحها بإصابة ست حظائر طائرات فارغة اصابات مباشرة. في الوقت الذي عُد التطور بدقة الصواريخ الايرانية أمرا مقلقا بالنسبة الى الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها بمنطقة الشرق الأوسط، الا ان تساؤلا رئيسا آخر هو عن الذي يخبرنا به هذا الأمر حول دقة الصواريخ الباليستية الصينية، فمن المعروف ان الصين تتشارك مع ايران بتكنولوجيا الصواريخ لعدة عقود، فالهجمات الايرانية التي استهدفت ناقلات نفط بمياه الخليج العربي في ثمانينيات القرن الماضي، اثناء الحرب العراقية الأيرانية، نسبت الى صواريخ “دودة القز Silkworm” التي اشترتها ايران من الصين. فقد ذكر تقرير لمؤسسة راند، نشر في العام 2012، بأن الصين لعبت دورا “بارزا” في تأسيس القطاع العسكري-الصناعي الايراني، مع الاشتباه بمساعدتها ايران بتكنولوجيا الصواريخ الباليستية.
 
قاتل حاملة الطائرات
بأخذ المساعدة السابقة للصين لبرامج الصواريخ الايرانية، بعين الاعتبار، فان هناك فرضية معقولة انه في حال كانت الصواريخ الايرانية قادرة على إصابة أهدافها بنجاح ضمن أمتار قليلة فقط، فإن الصواريخ الصينية يجب أن تكون بقدرة مساوية، ان لم تفق، دقة الايرانية منها.  وصف الصاروخ الباليستي الصيني دونغ فانغ 26 (DF-26) الذي روج له كثيرا، بأنه يشكل تهديدا الى حاملات الطائرات الأميركية وقاعدة غوام الأميركية. وفقا لمركز الدراسات الستراتيجية والدولية لمشروع الدفاع الصاروخي، فان الأمر الأكثر أهمية، هو ان (DF-26) يحتوي على معامل الخطأ الدائري المحتمل بين 150 – 450 مترا، ففي الوقت الذي يعرض هذا الأمر، القواعد والمراكز السكانية الى خطر كبير، يلقي بظلال من الشك على قدرته على توجيه ضربات ناجحة لناقلة متحركة ترافقها مجموعة قتالية لحمايتها. يذكر أن جهاز DF-21D الذي يشار اليه بـ “قاتل حاملة الطائرات”، لديه عامل الخطأ الدائري المحتمل 20 متر، وهو تطور هام عن سابقه DF-21 الذي يبلغ عامل الخطأ الدائري المحتمل لديه بـ 700 متر، بينما يقدر الخطأ الدائري المحتمل لـ DF-21C بـ 40 الى 50 مترا. ان هذه المستويات المتدنية من الدقة لصواريخ DF-21 قد تعني أن في حالة التصويب، فان العديد، ان لم تكن جميعها، ستفشل في الحاق اذى مباشر باهدافها المتحركة. 
 
هجمات إشباعية
في حال كانت هذه المستويات من الدقة لـ DF-21D صحيحة، يعني ذلك ان سيلا من 10 الى 20صاروخا تطلق بالترادف مع صواريخ كروز المضادة للسفن التي اطلقت من سفن وقاذفات او غواصات صينية ستكون لها فرصة كبيرة لتسجيل ضربات مباشرة على حاملات الطائرات الأميركية او السفن الحربية المرافقة لها. ان هذا السيناريو ليس بالجديد وقد تمت دراسته في البنتاغون لعقود، بالرغم من أن الزيادة في دقته هي الامر الجديد. يحرص ستراتيجيو البحرية الصينية على مراقبة تأثير الصواريخ في العمليات الحربية البحرية والاحتفاظ بقوات أكثر قوة على مسافة آمنة، اذ لجؤوا الى دراسة حالات تأريخية متعمقة بدءا من جزر الفولكلاند الى الحرب العراقية-الأيرانية وصولا الى حرب الأيام الستة في العام 1967 بين اسرائيل والعرب، عندما استخدمت البحرية المصرية صواريخ ستيكس المضادة للسفن لإغراق المدمرة الأسرائيلية. ولما كان ولعدة عقود، ناقش المحللون الصينيون إمكانية شن “هجمات أشباعية” التي قد تصل الى 20 صاروخا في المرة الواحدة، وفي حال كانت تلك الصواريخ دقيقة، كالايرانية، فإن احتمالية ان تصيب ضربة مباشرة حاملة أميركية، عالية الى حد غير مقبول.ان الميزة الجغرافية التي تتفوق بها الصين على الولايات المتحدة بمنطقة شرق آسيا، تضاعف من التحديات التي يمكن أن تواجهها واشنطن، فقد خسر البنتاغون 18 لعبة من أصل 18 لعبة حرب تحاكي نزاعا مع الصين بمضيق تايوان، اذ تشير آخر تقييمات البنتاغون للقدرة العسكرية الصينية، الى ان بكين تملك ما بين 980 و 2110 صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى، الأمر الذي لا يبشر بالخير للأميركيين الذين يدخلون منطقة قتال مع الصين. 
 
رادع هائل
بالطبع، ان استقراء دقة الصواريخ الباليستية الصينية بناء على الهجوم الايراني الأخير على القوات الأميركية ليس بالعلم الدقيق، فمعامل الخطأ الدائري المحتمل للصواريخ الصينية المتطورة لم يتم الكشف عنه علانية، وبسبب قلة استخدامها الفعلي في عمليات قتال، سيكون من الصعب معرفة مدى دقتها. لكن المهم في الأمر، هو حقيقة ان القوات الايرانية وهي الأضعف تكنولوجيا، كانت تمتلك القدرة على الاعلان عن الدقة العالية لصواريخها الباليستية. ومع الأخذ بنظر الاعتبار، حقيقة ان طهران كانت قد تلقت في الماضي مساعدات عسكرية وتكنولوجية من بكين، فمن الطبيعي والمنطقي أن نفترض أن الصواريخ الباليستية الصينية  ستكون قادرة، على أقل تقدير، ان تواكب نظيراتها الايرانية ف ما يتعلق بالدقة.  في حال نشب صراع بين الولايات المتحدة والصين، فان احتمالية، تفوق بكين على استهداف مقاتلين أميركيين بدقة عالية وضربات مباشرة، حقيقية بالفعل، ففي الوقت الذي تدرك فيه واشنطن ذلك، فان القادة الأميركيين سمحوا بخفض أعداد واحد من أكثر اسلحتهم فعالية أمام الصين خلال العقد المقبل، اذ من المقرر ان تخفض قوة الغواصات النووية الأميركية، التي تبلغ قدرتها الحالية 52 سفينة، لتصل الى 42 في العام 2024 وستزداد الى 53 غواصة في العام 2034. وبسبب الدقة المذهلة للصواريخ الايرانية، يمكن للقادة الصينيين الشعور بالراحة بعد ان نجحوا بخلق رادع دائمي وهائل أمام قدرة البحرية الأميركية للعمل ضمن حدود 800 الى 1600 كيلومتر من الساحل الصيني. لذا نجد ان احتمالية وجود موجات من الصواريخ الباليستية الصينية بمعامل الخطأ الدائري المحتمل بين 5 الى 20 مترا، يعد تحذيرا واضحا للمقاتلين الأميركيين بأن يبقوا في مواضع خلفية في حال حدوث نشاط حركي أولي بين الصين والولايات المتحدة.
*صحيفة ذا جابان تايمز