تماسك وحدتنا الوطنية

آراء 2020/02/28
...

وجدان عبد العزيز

الشعور الوطني ما هو إلّا عبارة عن الشعور الحقيقي والمجرد للإنتماء الى بقعة جغرافية تضم أفرادا وفئات اجتماعية مختلفة ومتعددة في صفاتها وألوانها وأطيافها ومعتقداتها، إذ تكون مصلحة الفرد مرتبطة بمصلحة المجتمع عموماً، فالشعور بالإنتماء والولاء لهذه الرقعة الجغرافية الممثلة لجميع أفراد المجتمع، من دون أدنى تمييز، يجب أن يسود تماماً على جميع أنواع وأشكال الإنتماءات الفرعية الأخرى، سواء كانت على أساس عقائدي أو عشائري أو ديني أو مذهبي أو عائلي أو مناطقي أو أيّ من الصفات الأخرى، وبذلك يذوب في مفهوم الوطن والشعور بالوطنية الجميع، وبكل الفئات منهم المسيحي والمسلم واليهودي والصابئي والشبكي والكردي والتركماني والعربي والبغدادي والموصلي والبصري والمثقف وغير المثقف والعلماني والمتدين والملحد وما الى ذلك. وعليه فالوطن والشعور بالإنتماء اليه هو حالة وجدانية وانحيازية بالمطلق لهذه البقعة، أو الخيمة الجامعة للجميع، مهما كانت الظروف والأحداث والتحديات المحيطة بها، ومن هنا يحدث تماسك وتعاضد أبناء الشعب الواحد، ويعتصموا بحبل الوطن والمصير المشترك، حينما تنشب المخاطر والتحديات، فتكون هذه التحديات سببا لزيادة التماسك والوحدة، كون أي خطر على الوطن، هو خطر على المواطن، ودوما الوحدة الوطنية تجاه التحديات تقوي تماسك كيان الوطن، وتصنع هيبته أمام الشعوب الأخرى، وفي هذه الفترة التاريخية تواجه مجتمعاتنا مخاطر تستهدف ذاتها وهويتها وتاريخها وحضارتها ومعتقداتها، وإرثها الإنساني على مرّ العصور والحقب والأزمان، ولا بد لنا أن نستحضر التاريخ في أذهاننا، كي نستوعب الدرس جيدا، فهل ننسى التحدي التتري بقيادة هولاكو، وكيف تحولت حضارة بغداد إلى ركام؟ أعتقد الشعور الوطني العراقي المتنامي لا يسمح لأمثال هولاكو التتري أن يهجم على العراق وبغداد مرة أخرى، فلا بد لنا من تنمية صفوفنا الوطنية بشعور الخطر الواحد، الذي يهدد مصيرنا جميعا وبكل إثنياتنا العراقية، فهذا الخطر لا يفرق بين قومية وأخرى، ولا ديانة وأخرى، ولا طائفة وأخرى. الخطر واحد وهو استهداف العراق، لذا علينا أن نكون عراقيين أحرارا موحدين، فإذا اجتمعت الإرادات الوطنية الحية المؤمنة بالنصر والحرية والكرامة الإنسانية، فإنّ الشر سيُمحق في مهده، وسيتحرر المجتمع من براثن توحشه، وآثامه واستبداده وطغيانه وانغماسه بالجرائم الفاحشة والخطايا المارقة، ثم نبني علاقاتنا مع الشعوب الأخرى، وخاصة مجتمعاتنا العربية، بعوامل الأخوة والمصالح المشتركة، فلا بدّ من وحدة الصف، وإيقاد شعلة الوحدة الوطنية والمحبة الإنسانية، والتصميم على زراعة بذور الخير والرحمة في الأفئدة، المتعطشة للأمن والسلام والاستقرار الوطني السعيد، من هنا فالمواطنة في سياقها العام مفهوم يحمل في مضمونه إضافة للدلالة الاجتماعية، دلالات عديدة، سياسية واقتصادية وثقافية، ففي كل دلالاته هو دعوة إلى الانتقال بالإنسان من حالة ضياعه وغربته واستلابه في مجتمع أو دولة يحكمها التفاوت والتمايز الطبقي والعرقي والديني بكل أشكاله وتجلياته، إلى مجتمع أو دولة الحرية والعدالة والمساوة والحقوق والواجبات، وحق الاختلاف للجميع، فلتكن وظيفة المثقف توسيع إطار الجماعات، ليكون بمقياس الوطن لا بمقياس الديانات والطوائف، وأن يكون الوطنيّ الحقيقي، هو من يرى بلدته في كل قسم من أرض الوطن وكل سكان الوطن.