العراق بين لا جدوى الديمقراطية ولا جدوى الاستقلالية
إن من بين أبرز اتراح مسار التحول الديمقراطي في عصر العولمة الرأسمالية المتوحشة، هي اكتفاء السائر في هذا الدرب بالديمقراطية متجاهلا تأطيرها باستقلالية القرار الوطني حين يتعامل مع الغرباء من كبار وصغار محيطه الإقليمي والدولي.
وهذا التجاهل إمّا أن يكون عن قصد وإمّا يكون عن جهل، وكأن التحولات الديمقراطية ومساراتها وصفة معلبة لا علاقة لها بضرورة واقع زماني محكوم بظرف بلد ينبغي أن يسترشد بتجارب تحولات ديمقراطية نجحت لأنّها أدركت التلازم بين الديمقراطية والاستقلال.
إنّ من غير المنطقي، ولا من المعقول، أن تكون الديمقراطية على خصومة مع المصلحة الوطنية ومع سيادية القرار الوطني المستقل من دون انصياع للخارج و من دون تسويغ للهيمنة الأجنبية و من دون تبعية لغير الإرادة الشعبية.
وكذلك، العكس صحيح تماما عندما يتصل الأمر بالعلاقة الطردية بين المصلحة الوطنية
والديمقراطية. وعن العراق فإنّه ما قبل 2003، وما بعدها عاش ويعيش بين لا جدوى ولا جدوى، وإنّ علة المسار في العراق تتموضع في أنّ العقل السياسي المتنفذ كان منشغلا قبل العام 2003 بشعار الاستقلال فقط من دون اصلاح ديمقراطي.
أمّا بعد العام 2003 فإنّ العقل السياسي المتنفذ أصبح منشغلا بشعارات الاصلاح الديمقراطي فقط مع تجاهل لا مثيل له لقضية الاستقلال الوطني، وهكذا كانت اتراح الاستقلال قد اقترنت باتراح الديمقراطية في عراق ما قبل 2003 فكان الاستقلال بلا جدوى. بينما أصبحت اتراح الديمقراطية مقترنة باتراح الاستقلال. لتكون ديمقراطيتنا بلا جدوى.
(2)
اقتصادنا بين خسارة التواصل وخسارة القطيعة مع أميركا
الاقتصاد العراقي يعيش خصوبة الاستهلاك وعقم الانتاج، وأنه متضرر وسيتضرر في حالتين سواء إن كانت هناك عقوبات أميركية، أو لم تكن، لأن الإدارات الأميركية تحكم وتتحكم باقتصاد عالمي تريد منه أن يكون ضارا بالشعوب سواء في التعاون أو في القطيعة مع الآخر، وهي لا تريد من الآخر أن يكون خصما ولا أن يكون محايدا، بل حتى لو كان الآخر حليفا للولايات المتحدة الأميركية، فلا أمان ولا ائتمان من وحش يغدر
ولا يؤتمن.
نعم، الاقتصاد العراقي لا يستطيع أن يتحمل القطيعة مع هذا الوحش لأنّه لا يستطيع أن يعتمد على امكانياته الانتاجية الذاتية في الصناعة والزراعة كما هو حاله اليوم والبارحة. إنّ العراق، بعد القطيعة الأميركية إنْ حصلت، ربما سيضطر لإيجاد بدائل عن الولايات المتحدة الأميركية، ويسعى الى توفير المستلزمات الأساسية لعيش كريم للمتضرر الأكبر، أي لشعبه (المكرود). كما أنّ القطيعة قد تتحول، كما يعرف العقلاء، وهم كثر معطلين، قد تتحول من خطر يهدد الى فرصة تمهد كيما ينفض العراق عن اقتصاده الكسل والتكاسل ويعمل من أجل مغادرة العقم في الانتاج الى خصوبة في الانتاج ويحول الخصوبة في الاستهلاك الى استهلاك مقبول من دون إفراط في المستورد ومن دون تفريط بالوطني، وينهي مراوحته بين خسارتي التواصل والقطيعة مع أميركا.
(3)
العراق بين وهم الفضيلة الأميركية وحقيقة العدمية الوطنية
لقد عرفنا كما يعرف الجميع أنّ الادارات الأميركية منذ (دكة) فيتنام أخذت تحسن توريط الآخرين بارتكاب الرذائل والمعاصي إزاء الشعوب، غير أنّها بالاعتداء على العراق تورطت علنا مرة في الأنبار واخرى في المطار لتثبت بأنها من ارتكبت رذيلة (خطأ ستراتيجي) تستحق ردا
ستراتيجيا. حتما ارتكبت رذيلة التهور بعيدا عن فضيلة الشجاعة، وعن الفضيلة تعلمنا الفلسفة اليونانية وحكمة الأوائل أن الفضيلة هي الوسط بين رذيلتين، هما رذيلة الجبن (تفريط بالشجاعة) ورذيلة التهور (إفراط بالشجاعة). أمّا ترامب وإدارته كان متهورا كما أكدت حمائم الحزب الديمقراطي في عدوانه على العراق بالأنبار والمطار بعد أن كان جبانا كما قالت صقور الحزب الجمهوري حين استجبن أمام إيران عندما تم اسقاط طائرة التجسس الأميركية فوق المياه الإقليمية الإيرانية.
ينبغي أن نقول حذار أن يكون جزء من العراق ملاذا لخصوم العراق لأن القرار النيابي العراقي الخاص بإجلاء الوجود العسكري الأجنبي من العراق كل العراق هو قرار اتحادي وليس قراراً جهوياً، فليكن المجلس النيابي متابعا ولتكن الحكومة مثابرة لنلتمس منهما بصمة فيها نسمة من الاستقلالية بعد أن اختنق العراق بحزم إصلاح كلامية تتلاعب فيها وبها رياح العدمية
الوطنية.