كورونا.. إطلالة على التاريخ

آراء 2020/03/02
...

 حسين الذكر
 
لغة السياسة خاصة جدا، ومفرداتها نخبوية تخص من يلعبون بمقدرات العالم كل حين، في ما تبقى حروفها ومضامينها عصية عن الفهم إلّا عندهم وعند من تخرج من مدارسهم شرق العالم وغربه، إذ إنّهم يغطون ميدان الحياة ويومياتها وجميع شؤونها وأجزائها فلا يتركون شبرا من دون تغطية كي لا يفلت مقبض العالم من أيديهم، لذا هم متقدمون مسيطرون يرتعون بخيرات البلدان المحتلة يسيرون الملفات بطمأنينة كما يخططون. المقتضيات تجعل لغتهم ظلامية بحتة لا يجوز نطقها إلّا خلف الأستار وفي غرف الظلام الدامس البعيد، إنّها أقرب لمفهوم الشيطان الهلامي الذي تتحدث عنه لغة الأديان، أو ذلك الغول الذي تنتشر حكايته بالقرى والأرياف، فهي لغة ظلامية أكثر قوة وتأثيرا من غيرها، ميدانها الطبيعي مستتر بعيدا عن الرأي العام الذي هو تحت مرماها، واستهدافها لا لأجل خدمته بل لترويضه وتوجيهه كأداة لتحقيق أهدافه على حساب بقية شعوب العالم.
قطعا منْ يكون هدفه الاستيلاء على مقدرات العالم بشرقه وغربه لا يكون ساذجا ولا يتوقف عند المبادئ ولا يتوانى عن استخدام كل الأسلحة المدنّسة لتحقيق مبتغاه الذي لا يقف عند حدود، إذ يحدثنا التاريخ الموغل بالقدم عن استخدام الأمراض كسلاح فتّاك بيد الغزاة لتحقيق أهدافهم بصوره المتعددة وشتى أشكاله، فالآشوريون، قبل ستة قرون من الميلاد، كانوا يستخدمون فطريات صدأ القمح السامّة برميها في الآبار والمياه كي يسمّموا بها أعداءهم، بينما لجأ التتار إلى طريقة جمع الفئران وقتلها ورميها خلف أستار المدن المحاصرة لانتشار مرض الطاعون. أمّا الروس فكانوا يلقون جثث قتلى الخصوم على المدن لتدمير نفسيتهم من خلال الأمراض المستشرية، كذا لجأ الأميركان إلى حيلة خبيثة في حربهم ضد سكان الأميركيتين الأصليين ممّن عرفوا بالهنود الحمر إذ وزعوا لهم بطانيات لحمايتهم من شدّة البرد بينما كانوا يخبئون في مضمونها جمرة أمراض الجدري. كذلك نابليون أسس بعض الوحدات العسكرية التي تحددت مهمتها في البحث وجمع الحيوانات النافقة واستخدامها عند الضرورة بالأنهار وعيون الماء وإمكان أخرى تصيب الآخر بالأوبئة الفتاكة. كذلك بريطانيا عاقبت الإيطاليين لتحالفهم مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى إذ وضعوا لهم في مياه الشرب والاستخدامات الأخرى جراثيم مرض
الكوليرا.
يذكر الدكتور علي الوردي في كتابه "لمحات من تاريخ العراق الحديث" أنّ العراق كان أرضا خصبة لاستخدامه كسلاح فاتك من قبل المحتلين الغزاة. كما تحدث عن انتشار الكوليرا خلال عقود الاحتلال العثماني الذي كانت فيه الناس تموت بمئات الآلاف في ما لم ينجُ إلّا من لجأ الى السفارة البريطانية، أو الإنكليزية، وأماكن أخرى منتقاة بشكل محدد هادف يعدون الناس فيه للعلاج، والمعنى في قلب من يجيد لغة الظلام. أمّا منْ لا يتعلم تلك اللغة، أو في الأقل يجيد تهجئتها ولو بتلكؤ سيبقى أبد الدهر تحت رحمة أسلحة قادة الظلام ما كان منه جيش ألكتروني أو جرثومي مثل الكوليرا والإيدز وجنون البقر وانفلاونزا الطيور وغير ذلك الكثير مما يدعون ويروجون. وأخيرا وليس آخرا: كورونا ليس هدفه الفتك بالناس، بل ذلك تكتيك لتحقيق غرض استراتيجي دائم يسمى بالهيمنة والسيطرة والاستغلال وعبودية الآخر.