شاكر السماوي .. صوت ثوري وغزل عميق

ثقافة شعبية 2020/03/03
...

منذر زكي

 
 
 
 
نجد في جميع الأوساط الثقافية والأدبية عامة ان الادباء والصحفيين والشعراء وغيرهم ، يطمحون للخلود والرسوخ من خلال فنهم ونتاج أعمالهم، ولا ضير في ذلك ولكن أغلب الذين برزوا منهم.. خلال أجيال وعقود مختلفة، هم من ساروا دونما توقف وبحثوا بلا ملل وغاصوا في معالم المجهول بنفس عميق، ناهيك عن عدم القناعة بعظمة الوصول بل انهم كلما اتجهوا نحو نحت طرح جديد كانت لهم بداية في الطريق.. ومن الاسئلة التي تفرض نفسها في الساحة الثقافية عامة:  هل برزت في الوسط الادبي احيانا اسماء ذات زمن متلاشٍ..ولماذا؟..
من الممكن أن يبرز آخرون في وقت يكاد أن يوصف بتشتت الأفكار في بوابة الوصول لروعة الإبداع، نتيجةً  لإرهاصات عديدة، متمثلةً بعوامل خارجية وداخلية تعمل على اهتزاز القاعدة السميكة التي تبنى من قبل مفكرين  لفنون عديدة، أعدوا طفرةً لاتتكرر أبداً، ولكنهم وان ظهروا  لن يصمدوا في ذلك، فالعوامل تذهب والاهتزاز يختفي والمحسوبية تعدم، وتعود الغشاوة واضحة لمن اراد الرؤية منهم، فالضوء ان اشتدت عليه ظلمة  فلابدله  ان يسرو لأفق عالٍ.
لايمكن لأي شوط من أشواط المعرفة أن يخطو للوراء بعد أن تقدم أميالاً لاتقاس، الا ان كان هنالك من يلتفت خوفا لرهبة الأعالي.. ومن الجدير بالذكر ان نستشهد لاحد المفكرين في النص الشعبي ونتجرأ على قول ذلك، لأنه شاعر ارتقى قمم الحداثة في الشعر..لغةً وصياغةً وفلسفةً صورية تكاد أن يدرس نهجها المسرحي، بل من المفروض أن يتم ذلك عند عتبة دواوين الشاعر (شاكر السماوي) الذي اصطبغت نتائجه بلون منفرد، لم يستطع أي شاعر أن يخلق ذلك النتاج، تعمداً منه أو لا، لما حملت أبياته من لغة ذات قوة في التركيب وسلاسةٍ في المفردة ..غريبة لكل من كان بعيداً عن شواطئ  مضاميرالثقافة ومعالمها الواسعة ولو في اليسر القليل جداً.
يمتاز السماوي ببراعته في الانتقال من شطر لآخر من دون الأحساس بتعثر معين، رغم اجتيازه لقافية أخرى، إلا أنها تلهم القارئ وتخطو على مسامعه كجرس واحد، مرتكزة على سلم لايختلف الإيقاع فيه، فعندما قال ـ
 
 من تل التل
والظلمة اعلى اعيونك چانت
تتلالى اخيوط امن الغبشة
گاعك چانت
بالنار وبالدم تتعمد
اومن شباچ
يتنطر فكة شباچ
يهجس بيه
اخيال امن اخيالك يتغشى
اوگذله أترف
اوثوري ابدمه
يتنطر خاين يترصد
 وصف الحياة كطائر حلق بعيداً عن عشه من غصن الى آخر، فأغشي عليه الطريق وتاهت عيناه في صباح بعيد، تشبعت أحاسيسه بجمر حضنت أرضه نارها، وروّض مشاعره لرؤيا جديدة ، فالظل يخطو على قلب عاشق أثخنه بثورة عظيمة، معزيا نفسه قبل أن يعزي من سار على نهجها، بغربة من بلد لآخر والسواد شمس دون سماء، ولكنه رغم ذلك كله يتولد في داخله بصيص أمل ورؤية بعد رؤية ، متمثلةً في ذكرى شواطئ وبساتين وهواء وأمطار غزيرة فرحاً وحزناً، على ماحمل من طيات الشوق له خاطفا كخيال جامح يهجس في داخله نحو الأمل.
لقد احترف السماوي في ثورته هذه متناولاً هذا اللون من الشعر الشعبي تعمداً لما له من طابع يخاطب الأذهان بتأثر شديد، فاللغة الشعبية لأي بلد كان ،  لها عشق عظيم في داخل أطارها المحدد من قبل متحدثيه ، بل أنها تعتبر اللغة الأم في جغرافية الشعب الواحد، ولو أمعنا النظر في شعراء الثورات لرأينا أغلبهم .. قد لبس الثوب الشعبي للوصول نحوه مواطن التأثير في أحاسيس المتلقي امثال ( احمد فؤاد نجم ومحمد ناصر صبر العنسي واخرين سواهم ) ، ولو قرأنا هذا المقطع للشاعر شاكر السماوي الذي يقول فيه :
 
 بجينه اومن بواجينه
تطرزنا اعلى دمعتنه
حلم مشلول متسورب يسولفنه
هاي اجروح
ذيج اسيوف تسبح بالنزف واتنوح
وهاي اهنا
جثة جارح اومجروح
اوغاد
اهناك شهم محزون
شايل دمعته او خاطر
بيه لساع من ذيج الجروح اجروح 
 
لوجدنا الخطاب المؤثر في الصورة الشعرية (تطرزنه اعلى دمعتنه) ينتقل به الشاعر من واقع ملموس الى خيال مطلوب مستحب للوصول الى ماهو مرغوب من قبل المتلقي والاكتفاء بدائرة الحزن ..اكتفاءً كاملا، فقد وصف الحزن لما فقد بأعلى درجات الوضوح ، بمعنى أن الدمع من العين يدمع بكا ءً به لما خسر، فقد طال الحلم وأصبح معاباً أن لم يكتمل برحيل مفرق الاحبة ، فخضبت أرضه بدماء الابطال والأبرياء في سبيل الحياة لامل جديد فلا تنسى بذلك جروحا كوة جفنه عناء.
لعل من القلائل ومنهم السماوي من برعوا بنسج البيت الشعري بشعرية تفوق الجمال، ولكنها تصب في جدول هادف، فلم يقتصر نتاجه على الثوريات فقط وإنما أبدع بالغزل الجميل فقد سأل متعجباً بقوله:
 
 علامك ..
شحشيت الشوك بعيونك ؟
علامك ..
لملميت أدروب مفتونك ؟
علامك ..
سهريت أجروح مطعونك ؟
علامك .، ياعلامك ..
ياعلام أحروفك العافت حبرها
او جتني هسه ..   
تنكر أعيوني القرتها
او تنكر الچف الرسمها
اوتنكر الصوره النبيه
الجرجباها ابطبكة اجفوني سطرها
 
 عندما شح الشوق لمن كانوا أحبةً وتمزقت كل سبل الوصول، فتعمقت سهام الماضي وأسقطت جملاً لجفاء ذي أمد طويل، فأنكرت نظراً في سطرها، وكفاً أصبغت أنامله لرسمها، فحركت بذلك هاجسا مخبئا تحت أبيات أثخنها السماوي بكلمة (علامك).
لم يكن النقد يوماً من الأيام لأي فن كان هو بحث عن الايجابيات فقط ، وإنما عرض الصورة بكامل حذافيرها سلبية كانت أم لا، فليس الإشارة لما يضعف النص من شوائب عديدة، أو نقد الاطار الصوري ان كان نمطا كلاسيكيا قد يعود بنا  للوراء دون الاقتداء بما ينتقل بك للأمام متزاحماً مع الفنون الأخرى المواكبة للتقدم، معناها أن الناقد يحمل غيظاً أو يتمنى إزاحة أسماء معينة، بنتاجها المطروح بمختلف الوانه حسب مايبتغيه منشئها ، وإنما القصد من ذلك  هو الضرب على يد الشعراء لما هو أقوى ..