البحث عن مناسبة للغلاء!

آراء 2020/03/04
...

حسب الله يحيى 
في كل الدول المتحضرة لا تحتاج حكوماتها إلى إصدار أوامر صارمة للحفاظ على أسعار المواد الغذائية والأدوية، بل تحتفظ جميع المحال التجارية بالأسعار المحددة والمعمول بها في جميع المدن والقصبات. 
وتبادر الكثير من المحال التي تتعامل مع غذاء ودواء الناس إلى اغتنام أيّة مناسبة لغرض تخفيض الأسعار، وذلك مشاركة من الباعة بأفراح وأتراح أبناء شعبهم، ولا تلزم الحكوماتُ الباعةَ بهذا التخفيض، بل هي مبادرة من الباعة أنفسهم، ممّا يدلل على وعي وصميمية ترابط يجمع بين الباعة والمستهلكين، لتتحول تلك المناسبات إلى مشاركة حقيقة تعم البلاد جميعاً.
إلّا أنّ العراق هو الاستثناء الوحيد من بين الدول التي يحرص تجارها على اغتنام أيّة مناسبة لغرض زيادة الأسعار وتحقيق المزيد من الأرباح، بل إنّ عدداً من التجار يقومون بإخفاء المواد الغذائية والمواد الاستهلاكية والأدوية التي يكون الناس بأمسّ الحاجة إليها والعمل على بيعها بالأسعار الباهظة التي يحددها الباعة من دون رقيب أو حسيب، وقد تلمّسنا هذه الحالة التي تعصف بالبلاد أو تشح البضاعة فيها لسبب أو لآخر، لتتحول الأسعار إلى نيران يصعب على المواطن الحصول على حاجاته مع أنّه في أمسّ الحاجة
 إليها.
وفي الآونة الأخيرة، وحال انتشار مرض كورونا والدعوة الملحة إلى استخدام (الكمامات) لغرض الوقاية، فوجئنا باختفائها من الصيدليات، ثم معاودة طرحها بعد أيام بأسعار خيالية تفوق بكثير امكانات الحصول عليها. 
إنّ هذه الأساليب اللاإنسانية واللاأخلاقية كذلك تتطلب منا الكشف عن هذه الأعمال المقصودة وأمام الحكومة طرح كميات من المواد الغذائية والدوائية اللازمة في الأسواق والصيدليات حتى تحول دون هذه الزيادة التي يفتعلها المستغلون من الباعة.
إنّ الوعي بالمواطنة ليس شعاراً للتباهي الاستهلاكي اليومي، وإنّما تقوم المواطنة على تحقيق حضور سليم يحق للمواطنين جميعاً، باعة ومستهلكين، التعاون والتفاعل سوية لتحقيق أوضاع إنسانية سليمة تعتمد القيم النبيلة والسلوك المتحضر في التعامل مع الأزمات بشكل يسوده الوئام والمحبة. فهل نحن فاعلون حقاً ما ينبغي علينا فعله من أجل حياة آمنة ومستقرة وسليمة لأبناء بلدنا؟
وإذا ما غاب هذا السلوك القويم عند بعض الناس، فلا بدّ من الاجراءات الحكومية الحاسمة والسريعة في محاسبة المقصرين وتجار 
الأزمات.