عبد الكناني
أحبَّت الدكتورة فيان موفق رشيد النعيمي مدينتها الموصل منذ طفولتها حين كان يأخذها والدها معه الى المتاحف وبعض المواقع الأثريَّة والتراثيَّة التي تزخر بها الموصل ومما زاد من هذا العشق السفرات المدرسيَّة لمواقع متعددة منها وأعجبت بآثار الحضارة العراقيَّة المجسدة بتلك المنجزات الكبيرة مثل السدود والمباني والمعابد والتماثيل العملاقة ومنها الأعجوبة، الثور المجنح أحد أجمل الأعمال الفنيَّة للإنسان العراقي الموصلي القديم، وكبر هذا العشق معها لتختار الآثار اختصاصاً في دراستها الجامعيَّة الأوليَّة والعليا،
إذ كانت رسالة الماجستير بعنوان: خطط مدينة الموصل في العصور الاسلامية، واطروحة الدكتوراه بعنوان: معالجة المشكلات البيئية لمباني مدينة الموصل، وتحول هذا الاعتزاز الى عمل دؤوب ومخلص تجلى في اعمال ميدانية وابحاث ومبادرات وانشطة متعددة، لكن اشد ما ألمها وأحزنها هو تعرض الآثار ومنها شواهد الحضارة القديمة والآثار الاسلامية على وجه الخصوص على يد الارهابيين وتضاعف الأسى والاحباط في الخراب والدمار الذي تعرضت له المدن القديمة في الموصل بعد احتلال داعش لمحافظة الموصل بالكامل، حيث خربت وأزيلت المراقد المقدسة والجوامع والكنائس ودور العبادة والمعالم القديمة لتلك المدن.
حملات تطوعيّة
وكرست اهتمامها بعد تحرير مدينتها للتثقيف بقيمة وأهمية تلك الآثار التي تعكس الهويّة والاصالة والعراقة لبلادها، وكانت لها مبادرات واسهامات في اعادة الحياة لجامعتها مع زملائها بالتبرع والأعمال التأهيلية لمرافقها وكلياتها لينتظم الدوام فيها في ظل شمس الحرية التي بزغت من جديد بعد زوال الغمة السوداء، التي تركت جراحا عميقة في اعماقها وبنية المجتمع الموصلي، ولم تكتف بماقامت به، بل أسهمت في الحملات التطوعية لمساعدة الأسر المتضررة والمنكوبة بتقديم الغذاء والحاجات والمستلزمات الضرورية للحياة، وعملت مع ابناء مدينتها على اعادة التواصل بين الأسر الموصلية وتجاوز الحساسيات التي تولدت جراء الوضع غير الطبيعي الذي برز في ظل عصابات داعش التي عملت على تفريق المجتمع الموصلي واثارة العداوات والخلافات بينهم.
مواجهة المحنة
وذكرت لنا عن تلك السنين العجاف وكيف عاشتها مع الاهل سواء اثناء تواجد عصابات داعش الارهابية او خلال ايام التحرير ومابعده قائلة:
مدينتي الموصل ظلت حاضرة في الاذهان ولم تغب وشعرنا بأهميتها وقيمتها اكثر بعد احتلال داعش، وانا ارى ان احتلال داعش لها نبه العالم باجمعه عليها وما لها من اهمية لاسيما بعد تعرض ما بها من كنوز اثرية وكيفية تدميرها، وفق مخطط اجرامي شنيع اسهمت فيه حتى قوى دولية.
لقد احسست عند دخول داعش لمدينتنا واجزاء اخرى من بلادنا الحبيبة بانكسار كل ماهو جميل والى الآن أشعر بغصة و خيبة وألم ستبقى معي حتى الممات، عندما يأتي غريب ويأخذ مالك ويهدم دارك ويحطم حضارتك ويقتل ابناءك وانت عاجز هذا اصعب شيء وحال لا اتمناه لعدوي، لقد مرت علينا سنوات قاسية ولكن بما عرف عن اهل الموصل في التدبير والافادة من الحقب الماضية من ازمات وحصارات سابقة، وفي الايام الاخيرة من التحرير اخر ثلاثة اواربعة اشهر بدا الاختناق يعم اهل هذه المدينة، فشحت المواد الغذائية وانقطع الماء، فقمنا بحفر الابار في البيوت وضيق القصف الجوي على داعش والذي ضيق هو على الاهالي وحد تحركاتهم، فضلا عن الاعدامات الجماعية بحجة تعاون استخباراتي مع الجيش والقوات العراقية الاخرى، فقدنا اعزاء كثيرين وقت الحرب، ولكن بتكاتف وتراحم الناس ومساعدة الاخرين صمدنا ونجينا بفضل قواتنا المسلحة البطلة.
مظاهر مختلفة
واضافت قائلة: المدينة نهضت بنفسها وبابنائها بعد التحرير فقد تبرعنا للجامعة في وقت انقطاع رواتبنا سنة ونصف . وشاركنا بايدينا في تنظيف اقسامنا وقام بعض الاساتذة باصلاح الكهرباء وصبغ البنايات حتى تمكنا من تاهيلها، كانت حقا ظروفا صعبة لايشعر بها الا من عاشها وذاق المها، ومع قساوة تلك المرحلة فوجئنا بعد التحرير بتغير النفوس الى الاسوا وشيوع ثقافة الفساد الاداري بين الجهات الرسمية وسادت المصالح والشعارات الكاذبة.
واشارت: الى ان اهالي الموصل ساهموا بتحرير مدينتهم مع القوات المسلحة وقد حصلت زيجات عديدة بعد التحرير لعناصر من الجيش وبنات من الموصل دليلا وتاكيدا على العلاقة الطيبة بين جميع مكونات الشعب العراقي وليس هناك من حواجز وعراقيل بينهم وعلى امتداد الوطن
من شماله لجنوبه لاسيما بعد ان امتزجت الدماء لابناء البلاد في معارك التحرير .
مؤلفات وبحوث
بقي ان نقول ان الدكتورة فيان النعيمي تميزت خلال عملها كاكاديمية واستاذة بجامعة الموصل باصدارها لعدد من الكتب منها تاريخ اليونان والرومان في الشرق الادنى القديم - ومعالجة المشكلات البيئية لمباني مدينة الموصل - و خطط مدينة الموصل في العصور الاسلامية - فضلا عن مجموعة بحوث مختلفة
منها: عمائر الموصل خلال العهد العثماني من خلال رحلة نيبور، دراسة مقارنة، وشرفات مساجد مدينة الموصل خلال العصور الاسلامية، واساليب التسقيف وتطورها في مباني مدينة الموصل خلال العصور الاسلامية ،وشاركت في مؤتمرات عدة داخلية وخارجية، وهي عضو في مجلة اثار الرافدين التي تصدر عن جامعة الموصل.