إشراقات في تطور الحركة النسويَّة العراقية

اسرة ومجتمع 2020/03/08
...

عبد الكناني 
 
 
 
اجهدت الباحثة الدكتورة وفاء كاظم ماضي الكندي كثيراً في البحث والتقصي في تاريخ المرأة العراقية منذ انطلاق الوعي الثوري والسياسي في بدايات القرن العشرين، إذ واجه العراق العديد من التحديات في أمنه واستقراره ومستقبله وتطوره، لا سيما في ظل الاحتلالين العثماني والانكليزي ثم الانتداب البريطاني وانبثاق أول حكومة عراقية إثر نضال الشعب العراقي الذي توج بثورة العشرين، في كتابها الذي حمل عنوان (تطور الحركة النسوية في العراق 1921 – 1958) وهو في الأصل رسالة ماجستير أشرف عليها المؤرخ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف.
حيث تقول: «خطت المرأة العراقيَّة في حقبة العهد الملكي بالعراق خطوات كبيرة ومتسارعة بالمقارنة مع ما كانت عليه في بدايات القرن العشرين ونهاية القرن التاسع عشر، فقد تميزت بمجالات متعددة منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بخطوات أشير لها بالبنان، متجاوزة بذلك العديد من العقبات التي كانت تقف بالضد من تطور المرأة، وإفساح المجال لها كعضوٍ فعالٍ بالمجتمع للإسهام الى جانب الرجل في بناء المجتمع».
 
النصيب الأكبر
 وعاشت المرأة العراقيَّة في العقود التي سبقت العهد الملكي ظروفاً سياسيَّة حالت دون أنْ تأخذ دورها الى جانب الرجال، ما أثر في ظروفها الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة التي انعكست بشكل سلبي على مجمل نشاطاتها الاجتماعيَّة، ولكنَّ هذه الأوضاع سرعان ما تغيرت بتغير الوضع السياسي للعراق، والناشئ عن قيام النظام الملكي في العام 1921 والذي شهد خلال سنوات حكمه للبلاد والتي امتدت حتى العام 1958 طفرات نوعيَّة في مفاصل الحياة كافة، وكان للمرأة نصيبها الأكبر في جملة التغيرات والتطورات التي تجلت بشكلٍ واضح في مجالات متعددة، لا سيما جانب التعليم.
 
تعداد خاص
وتناولت الباحثة في الفصل الأول الوزن الديموغرافي والواقع الاجتماعي والاقتصادي للاناث في العراق الحديث والمعاصر، إذ تشير الى أنَّ الوالي عبد الوهاب باشا طلب في العام 1904 إجراء تعدادٍ خاصٍ بنسوة العراق تنفيذاً للفرمان السلطاني العثماني باسطنبول بغية منح الجنسيَّة العثمانيَّة، غير أنَّ هذا التوجه تعرض لرفض شديد من الشيوخ والأهالي وقد حدثت صدامات مع السلطة العثمانيَّة في عددٍ من المحلات البغداديَّة وكذلك في الألوية والمحافظات، الأمر الذي جعل السلطات والولاة تتراجع وتأجيل الأمر الى زمنٍ آخر، وفي العهد الملكي أجري أول إحصاء في العام 1927 الذي لم يكن دقيقاً وكذلك إحصاء العام 1934حيث لم تقم به جهات إحصائيَّة، بيد أنَّه كشف عن أنَّ نسبة الاناث بلغت أكثر من الذكور بفارق 300 ألف، ولكنَّ إحصاء 1947 كان إحصاءً مدروساً، إذ أجري من قبل هيئات إحصائيَّة وعدادين معتمدين وسجل تقارباً بين نسبة الذكور والاناث.
 
الواقع التعليمي
وتطرقت في هذا الفصل ايضاً الى الواقع التعليمي للنساء، إذ نتيجة لتأثيرات النهضة الحديثة، التي وصلت إشعاعاتها من بلاد الشام ومصر ونشاط رواد التحديث والتنوير ومطالباتهم بضرورة فتح المدارس الخاصة بتعليم الاناث، افتتحت أول مدرسة في بغداد من قبل الوالي العثماني سنة 1899 بمحلة الميدان الجديدة وحملت اسم «اناث رشدية مكتبي - للدراستين الابتدائية والمتوسطة»، وبلغ عدد طالباتها 95 طالبة وتولت إدارتها السيدة أمينة شكورة، ثم تتابع إنشاء المدارس الخاصة بالطوائف والأديان، وفي العام 1908 افتتحت ثلاث مدارس في جانبي الكرخ والرصافة.
 
أبوابٌ جديدة
وفي الفصل الثاني ركزت الباحثة على واقع المرأة في سنوات الانتداب البريطاني الممتدد بين (1920 حتى 1933)، إذ خضع العراق على مدى اثني عشر عاماً ونيف لسيطرة بريطانيا المباشرة التي خولها إياها نظام الانتداب، وهذه المرحلة أتاحت للمرأة طرق أبواب جديدة في حياتها وأهلتها للتصدي لمسائل أخرى تتعلق بحياتها ودورها، فهي عرفت بمشاركتها الفاعلة والمهمة في الثورة الكبرى ثورة العشرين ومؤازرتها المقاتلين والثوار بالمساندة ورفع الروح المعنويَّة لهم، وتقديمها الأبناء والأحفاد والأزواج والآباء قرابين لحرية واستقلال العراق.
 
مجلة (ليلى)
وتزامن صدور أول مجلة نسائيَّة وهي «ليلى» عام 1923 مع أول انتخابات تشريعيَّة في البلاد، وكان لها الدور الكبير في توعية المرأة بأوضاع بلادها وضرورة أنْ تكون لها بصمة في صياغة مستقبله، من خلال الجمعيات والحضور الاجتماعي والسياسي المؤثر، وحصلت على حيزٍ كبيرٍ وموقعٍ مهمٍ في برامج ومناهج الأحزاب السياسيَّة في البلاد، وكان لها حضور صحفي الى جانب مجلة «ليلى» وأسست الجمعيات النسويَّة ومنها أول جمعيَّة نسوية عام 1923، أعقبها تأسيس أول نادٍ للنهضة النسويَّة في بغداد، وتألفت الهيئة المؤسسة من الآنسة أسماء الزهاوي رئيسة والسيدة نعيمة السعيد زوجة نوري السعيد رئيس وزراء العراق، والسيدة ماري عبد المسيح والسيدة حسيبة بنت جعفر عضوات، وشارك أول وفدٍ نسوي عراقي في المؤتمر النسائي العربي الذي عقد ببيروت العام 1929 وتألف من أمينة الرحال وجميلة الجبوري وماري عبد المسيح.