احتفاء حقيقي

اسرة ومجتمع 2020/03/08
...

عواطف مدلول
منذ عام 1909 ولغاية الان العالم يحتفل باليوم العالمي للمرأة في شهر آذار، إذ اعتدنا سماع الأصوات العالية من كلا الجنسين للمطالبة بحقوق النساء، ومناهضة العنف الذي يمارس ضدهن بشتى الطرق، والمناداة بمناصرتهن والتضامن معهن للحصول على استحقاقهن في المساواة مع الرجل، خصوصا أنّ أغلبهن يبذلن جهودا مضاعفة ويقدمن عطاءً بلاحدود من أجل أداء أدوارهن باتقان وحرص، سواء في العمل او البيت وانجازاتهن وتضحياتهن تثبت ذلك. 
 في الحقيقة لم تعد هذه الشعارات التقليدية التي ترفع دوما بتلك المناسبة بذات المستوى من الحماسة، لان تطبيقها الفعلي كما يبدو صار متواضعا في زمننا الحالي، لاسيما أن البعض ممن يحملها لا يتمتع بالمصداقية في تنفيذها، فالمواقف تأتي عكس ما تطرح من هتافات، وبحسب خبرتي بالعمل والحياة فإن أغلبها غير صادقة إلّا ما ندر منها، فهناك من ينتصر للمرأة بالظاهر لكنه أول من يزرع الأشواك ويضع العراقيل في طريقها، فيمنعها من العبور باتجاه تحقيق أهدافها وطموحاتها، كونه لا يتمتع بالقدرات والمؤهلات نفسها التي تمتلكها هي، ونجاحها ربما يحقق أفضلية لها عليه ويؤثر في نظرة الآخرين نحوه، وهناك من تدفعه أمراضه وعقده النفسية (الذكورية) لمحاصرتها والتضييق عليها، تلك من بين أهم الأسباب الشائعة والمعروفة الآن.
إذ أنّ مجتمعاتنا الشرقية مازالت بيئة غير آمنة بالنسبة للمرأة؛ لأن حقوقها فيها تكاد تكون مسلوبة او معدومة تماما، لذا عادة ما تقضي معظم سنوات عمرها ساعية لإثبات ذاتها وتحمل ما هو فوق طاقتها من أجل ذلك، لأنها تتصدى لجميع أنواع الحروب التي تشن عليها، وللدفاع عن نفسها تضطر أن تواجه أصعب الظروف وتخوض المعارك أمام من يهيئون الجيوش لاسقاطها والنيل من كرامتها، وعدم افساح المجال لها لتأخذ مساحتها من النجاح والحضور،  فالخوف من الاعتراف بتميزها عنهم يدفعهم للانتقاص منها لاسيما اذا كانت مبدعة ومثابرة، ولذلك فإن هذه المعوقات تؤخر تقدمها باتجاه الصدارة وترهقها كثيرا خصوصا أنها تؤدي أدوارا عدة في الوقت نفسه، الى جانب العمل فإنها سيدة منزل بالبيت لها واجباتها التي يجب ان لا تقصر بها كزوجة او أم او أخت او ابنة، وهي بحاجة للتعامل معها باحترام وتقدير وكذلك بنوع من الضمير والانسانية حتى وان لم تعد ذلك الكائن الضعيف كما كانت في العصور السابقة، خصوصا أنها باتت مصدر قوة للرجل نفسه بوصفها السند والرفيق المكمّل له والذي لايستطيع ان يتخلى عن اهميته ووجوده في هذه الحياة.
وفي وسط ذلك الوضع لا يمكن نكران مواقف بعض الرجال الحقيقيين، شكرا لهم وتحية كبيرة لأولئك الصادقين الذين لا ينتظرون قدوم ذلك اليوم للاحتفاء بنسائهم (أم، أخت، زوجة، صديقة، زميلة) لأنهم جعلوا كل أيام سنواتهم احتفالا بهن، من خلال تقديم الحماية والدعم لهن واحاطتهن بكل مشاعر الود والمحبة وتشجيعهن على السير بثقة عالية لبلوغ أحلامهن.