تكنولوجيا الطاقة الشمسيَّة.. بارقة أمل للمناطق المتجمدة

علوم وتكنلوجيا 2020/03/09
...

جودي إيليس/ بي بي سي
عندما كنت أقود سيارتي على الطريق السريع بالقرب من محطة الطاقة الشمسية في منطقة ويلو على بُعد 50 ميلا من مدينة أنكوريج بولاية ألاسكا، كانت درجة حرارة الطقس بالخارج 16 تحت الصفر. وبدا مشهد الألواح الشمسية المغطاة بالجليد في مواجهة السماء المظلمة غريباً، لا سيما أن الشمس كانت قد أخذت تبزغ على استحياء خلف الجبال في الساعة التاسعة صباحاً. فقد لا يخطر على بالك أنْ تقف في قلب أكبر محطة للطاقة الشمسية وأحدثها في ولاية ألاسكا، وأنت تتجمد برداً وتنزلق قدمك على الجليد.
 
أمرٌ مستبعدٌ
وقد يبدو أنَّ تسخير الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة في المناطق الشمالية، مثل ألاسكا، حيث تقل ساعات النهار إلى أدنى حد في أكثر أيام السنة، أمرٌ مستبعدٌ، إنْ لم يكن مستحيلاً. إذ تشكل الأراضي دائمة التجمد نحو 85 في المئة من أراضي الولاية.
لكنَّ محطة ويلو للطاقة الشمسية في ألاسكا، أثبتت أنه من الممكن توليد الكهرباء من الطاقة الشمسيَّة حتى في أقصى شمال الكرة الأرضية وأكثرها برودة.
وتقع المحطة على بُعد بضع مئات من الأميال من الدائرة القطبية، ولا تحصل إلا على ست ساعات كحد أقصى من ضوء الشمس في أشهر الشتاء يومياً.
وتمتد محطة ويلو للطاقة الشمسية على مساحة 10 أفدنة، وتديرها شركة "رينيوابل" للطاقة في ألاسكا. ومن المتوقع أنْ تنتج المحطة 1.35 ميغاوات /ساعة من الكهرباء سنوياً، أي ما يكفي لتلبية احتياجات نحو 120 منزلاً من الطاقة الكهربائية على مدار 
السنة.
 
الطاقة المتجددة
واكتسب البحث عن سبل التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري أهمية كبيرة مؤخرا، ولا سيما في المناطق الشمالية، إذ يعد القطب الشمالي والمناطق المحيطة به من أكثر المناطق تأثرا بالتغير المناخي في العالم.
ولهذا اعتزم شركاء "رينيوابل" للطاقة تأسيس محطة للطاقة الشمسية واسعة النطاق في ولاية ألاسكا. وفي العام 2018، دشنوا مشروعاً تجريبياً لمحطة طاقة شمسية تتضمن صفين من ألواح الطاقة الشمسية بقدرة 70 كيلووات، وكانت النتائج مبشرة بالنجاح.
ويقول كريس كولبرت، المدير المالي بالشركة: إنَّ "تكاليف تشغيل المرحلة الأولى من المحطة بعد ثمانية أشهر كانت مطابقة للتوقعات، و"بعد متابعة الإنتاج لمدة عام، وجدنا أنه أيضاً مطابقٌ للتوقعات. 
وكان من السهل حينئذ استقطاب المستثمرين للمساعدة على توسيع نطاق المشروع". وتقول جين ميلر، المديرة التنفيذية لشركة "رينيوابل"، إنَّ نجاح محطات الطاقة الشمسية يتوقف على عاملين، مصدر الطاقة الشمسية وأسعار الكهرباء. وبما أنَّ ولاية ألاسكا، على عكس ما هو متوقع، تعدُّ ولاية مشمسة، وتعادل أسعار الكهرباء فيها ضعف نظيرتها في الولايات الأميركية، فإنَّ محطات توليد الكهرباء من مصادر الطاقة البديلة حظيت باهتمامٍ كبيرٍ بين المستثمرين في قطاع الطاقة.
 
انخفاض التكاليف
وأقامت شركة "غولدن فالي إليكتريك أسوسييشن" محطة للطاقة الشمسية تبلغ مساحتها ثلاثة أفدنة، على بُعد 200 ميل فقط من الدائرة القطبية الشمالية.
وشرعت الشركة في بناء المحطة في العام 2018، وتنتج الآن طاقة تغطي احتياجات نحو 70 منزلاً من الكهرباء.
وتمتاز أيضاً محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية بانخفاض تكاليف تشغيلها إلى أدنى حد بعد الانتهاء من إنشائها، وهذا يمثل أيضا عامل جذب للمستثمرين في مجال الطاقة. لكنَّ محطات الطاقة الشمسيَّة في المناطق الشمالية، التي تغطي ألواحها الثلوج في أشهر الشتاء، قد تفتقد لهذه الميزة.
وتقول ميلر إن الشركة تعين عمالاً خصيصاً لإزالة الثلوج في أشهر الربيع والصيف، لكنْ في أشهر الشتاء المظلمة، قد لا تعبأ الشركة بإزالة الجليد لعدم كفاية ضوء الشمس نهاراً.
واقترح البعض وضع الألواح بزاوية مائلة لتسهيل إزالة الثلوج. وتعاونت شركة "رينيوابل" مع جامعة ألاسكا لإجراء تجارب على طلاءات شفافة ملساء للألواح الشمسية، حتى تسهل إزاحة الثلوج من عليها.
 
كفاءة الألواح
وبخلاف الجليد، ثمة مشكلة أخرى تعاني منها محطات الطاقة الشمسية في الشمال، تتمثل في أن ذورة الإنتاج لا تتزامن مع ذروة الاستهلاك، بمعنى أنَّ الوقت الذي يزيد فيه إنتاج الطاقة الكهربائية يقل فيه الطلب عليها والعكس.
ويقول توم ديلونغ، رئيس مجلس إدارة شركة "غرين فالي": إنَّ سكان ألاسكا لا يستخدمون أجهزة التكييف في منازلهم، ولهذا في أشهر الصيف، عندما يصل إنتاج المحطة إلى ذروته، يكون استهلاك الكهرباء عند أدنى مستوياته. في حين أنَّ في أشهر الشتاء، حين يحتاج الناس الطاقة الكهربائية للتدفئة، لا تكاد المحطة تنتج شيئاً من ألواح الطاقة الشمسية.
إذ تنتج محطة "رينيوابل" للطاقة الشمسية شتاء 30 كيلووات في الساعة، وقد يصل إنتاجها إلى صفر عندما تكون الألواح مغطاة بالثلوج. وعلى النقيض، قد يتجاوز إنتاج المحطة صيفاً، عندما يستمر ضوء النهار لأكثر من 18 ساعة، 8,000 كيلوات في الساعة يوميا. ويقول سام دينيس، مدير العمليات بالشركة، إن إنتاج يوم واحد في أشهر الصيف قد يفوق ما ننتجه في شهر بأكمله في الشتاء.
ويساعد انعكاس أشعة الشمس على الجليد في رفع إنتاج المحطة في فصل الربيع.
لكنْ رغم انخفاض الإنتاج في أشهر الشتاء، إلا أن محطات الطاقة الشمسية توفر حلاً ولو جزئياً، لمشكلة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الشمال. 
فبالنظر إلى جسامة تبعات تغير المناخ على القطب الشمالي، أصبح البحث عن حلولٍ لمشكلة الاحترار العالمي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
وتقول شيلا راغاف، الخبيرة في تخفيف تبعات تغير المناخ والتكيف معها بمنظمة "كونزيرفيشن إنترناشيونال" لحماية البيئة: إنَّ "معدل ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة القطبية الشمالية يفوق المتوسط العالمي. وقد تسهم الطاقة الشمسية في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري لتوفير الكهرباء للمنازل".
 
الطاقة المتجددة
وقد زاد الإقبال على إقامة محطات الطاقة الشمسية أيضا بسبب انخفاض تكاليف توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية. إذ انخفضت بشكل عام أسعار الألواح الشمسية على مدى السنوات الأربعين الماضية.
وتقول ميلر إن تسخير الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء لاقى رواجاً في ألاسكا، إذ تشير بيانات حملة التحول إلى الطاقة الشمسية في أنكوريج إلى أنَّ عدد المنازل التي تعتمد على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء زاد من 33 منزلاً في العام 2018 إلى 163 منزلا في العام 2019.
ويقول كريس كولبرت: إنَّ الوقود الأحفوري أصبح أعلى كلفة من مصادر الطاقة المتجددة بعد انخفاض تكاليف إقامة محطات الطاقة الشمسية. وهذا يعني أنَّ الطاقة الشمسيَّة تنافس الوقود الأحفوري الآن لا بسبب تأثيرها الإيجابي على البيئة فحسب، ولكن أيضا بسبب انخفاض كلفتها.
وفي سياق ذي صلة يسعى باحثون إلى تطوير أجهزة وآليات جديدة قادرة على توليد الكهرباء ليلاً، بحيث تتمكن من تشغيل مجموعة واسعة من التطبيقات الخدمية بما في ذلك أجهزة استشعار الإضاءة المنخفضة الطاقة.
وأفاد باحثون في مجلة "جول" بتطويرهم جهازا يستخدم خاصية التبريد الإشعاعي لتوليد الكهرباء من برودة الطقس ليلاً، وذلك بالاعتماد على منظومة مولد كهربائي حراري، يعمل هذا المولد المبتكر وفق آلية تختلف عن المولدات الحرارية التقليدية، حيث يقوم سطحه المواجه للسماء بتمرير حرارته إلى الوسط المحيط كإشعاع حراري.
وبهذا فإنه يفقد جزءا من حرارته ليصبح بذلك أبرد من الوسط المحيط به، ومن ثم تعمل المنظومة على توليد الكهرباء بالاستفادة من فرق درجات الحرارة الناتج ذاك. وقد تمكن الجهاز من توليد طاقة كهربائية تقدر بـ25 ميغاوات لكل متر مربع، وبالفعل تمكنت هذه المنظومة من تشغيل مصباح ليد صغير، ليطلق إشعاعا ضوئيا خافتا انطلق من سطح أحد المنازل في كاليفورنيا.
يكشف هذا العمل عن إمكانية تطوير المزيد من التقنيات المتجددة القادرة على الاستفادة من برودة الفضاء الخارجي كمورد من موارد الطاقة المتجددة.
 
تكنولوجيا مكملة
يعتقد الباحثون أن هذا الابتكار يشكل أساسا لتكنولوجيا مكملة للطاقة الشمسية، وعلى الرغم من ضآلة ناتج هذه الطاقة المبتكرة فإنها يمكن أنْ تعمل في أوقات لا يمكن أن تكون فيها الخلايا الشمسية متاحة للاستخدام.
فعلى الرغم من جميع مزايا الطاقة الشمسية، فإنها لا تتوفر على مدار ساعات اليوم، إذ يعود معظمنا من العمل عند غروب الشمس، ويتصاعد آنذاك الطلب على الطاقة الكهربائية لتلبية احتياجاتنا من التدفئة والطبخ والترفيه والإضاءة.
ولسوء الحظ، فإننا نعتمد في كثير من الأحيان على الوقود الأحفوري لتعويض هذا النقص، وبالتالي عندما يضطر البعض للعيش خارج نطاق شبكة التمديدات الخدمية، فسيكونون مجبرين على الحد من خياراتهم المتاحة لتلبية حاجياتهم اليومية.
لجأ الباحثون لتطوير هذه المنظومة من مواد رخيصة ومتاحة في متناول الجميع، حيث جمّعوا مولدا كهربائيا حراريا رخيصا، وربطوه بقرص أسود من الألومنيوم لبث الحرارة إلى الوسط المحيط أثناء مواجهته السماء.
وتم وضع المولد داخل حاوية محكمة الإغلاق من البوليسترين مع نافذة تسمح بمرور الأشعة تحت الحمراء، وربطها بمصباح "ليد" (LED) صغير واحد، ومن ثم وضع الجهاز على طاولة مرتفعة متراً واحداً على سطح أحد المنازل في ستانفورد لمدة ست ساعات ليلا، حيث انخفضت درجة الحرارة في تلك الليلة إلى ما دون الصفر.
إنَّ فرص استغلال الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء بأسعار ميسرة في المناطق الشمالية المتجمدة تكشف عن مدى التطور الذي شهدته تكنولوجيا استغلال الطاقة الشمسية. ولعلَّ نجاح محطات الطاقة الشمسيَّة في هذه المناطق التي يكسوها الجليد، يعطي بارقة أمل على طريق التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة.