محمد شريف أبو ميسم
مثلما تضاربت الأقاويل بشأن فيروس كورونا المستجد، بين تقارير ترى فيه وباءً ينبغي التركيز على مواجهته وحسب، وأخرى تؤكد أنه مصنّع، رافقته هالة إعلاميَّة أسهمت في تغيير الخارطة التجارية العالميَّة وأعاد توزيع الأسواق بعد أنْ انخفض الإنتاج الصيني الذي كان يغطي أغلب الأسواق العالميَّة. كانت أزمة انهيار أسعار النفط بوصفها نتيجة طبيعيَّة لانخفاض الطلب جراء تعثر عجلة الإنتاج عند أكبر مستهلك للنفط في آسيا، سبباً في تضارب التقارير بشأن أثر الوباء في الاقتصاد العالمي الى حد ذهبت فيه التقارير الى أنَّ خسائر الاقتصاد الأميركي قدرت بنحو 800 مليار دولار، في وقت فاجأت السعودية (أكبر منتج للنفط في"الأوبك") العالم بقرارٍ غير مسبوق، تمثل بإغراق السوق النفطيَّة بنحو 13 مليون برميل يومياً بعد أنْ كان نتاجها يتراوح بين 9 الى 10 ملايين، في إطار إجراء حيَّر المراقبين الاقتصاديين بعد مفاوضات مبهمة مع روسيا وهي أكبر منتج للنفط خارج أوبك. فبدا الأمر وكأنه حربُ أسعارٍ غير مبررة بين كبار المنتجين.
فتهاوت الأسعار مع تزامن الحدثين بعد أنْ كان سعر النفط عند معدل 78 دولاراً للبرميل قبل تعرض الصين للوباء، حتى بلغ نحو 24 دولاراً للبرميل الواحد، وهو مرشحٌ لمزيدٍ من الانخفاض، إنَّ معدل الاستهلاك العالمي للنفط يبلغ نحو 100 مليون برميل يومياً، تستهلك منه أميركا 25 مليون برميل، بينما تستهلك شركات العولمة التي تديرها رساميل الأيباك نحو نصف الكمية المتبقية، وإذا ما اقتصرت حساباتنا على الاستهلاك الأميركي المحلي، يكون حجم الفائدة من فرق السعر نحو 40 مليار دولار في شهرٍ واحد، فما بالك بالاستهلاك الخارجي ولفترات زمنية لا يعلم بمداها إلا من صنع الفيروس.
ومن الأهمية بمكان أنْ نذكر بشيء اسمه "قمة هوبرت" (وهي نظريَّة باتت مسلمة، تنذر بانحدار مستوى الإنتاج النفطي في العالم بعد العام 2020 ليصل الى بداية مرحلة النضوب في العام 2035)، و يتوقع أصحاب النظرية حصول صراعٍ على مصادر الطاقة يفضي الى حرب كونيَّة. وهنا علينا أنْ ننتبه لعلاقة الحدث الحالي بمسألة الخزين النفطي للشركات التي تقود العالم على الرغم من استمرار محاولات البحث عن بدائل الطاقة والنفط الصخري، بمعنى أنَّ إغراق السوق الحاليَّة بمزيدٍ من النفط مع انخفاض معدل الاستهلاك الصيني كان لصالح أميركا بوصفها أكبر المستهلكين.
يقدر حجم التبادل التجاري بين أميركا والصين بنحو 600 مليار دولار حتى العام 2017، وتستورد نحو 492 مليار دولار من السلع الصينيَّة، بينما بلغت صادراتها للأخيرة 116.2 في ذلك العام، بمعنى أنَّ توقف الاستيراد من الصين وفر لأميركا 123 مليار دولار في ثلاثة أشهر فقط اعتماداً على الإنتاج المحلي، فمن يملأ الفراغ التجاري الذي تركته السلع الصينيَّة بالأسواق العالمية؟. بمعنى إنَّ الاقتصاد الأميركي انتفع من الأزمة خلال بضعة أشهر فقط بمحوري ضرب الاقتصاد الصيني والسوق النفطيَّة حسب، بينما ستلقي الأزمة بظلالها على الأشهر المقبلة والمستقبل عموماً بعد التغييرات الهيكليَّة التي حصلت في خارطة التجارة العالميَّة وإعادة توزيع الأسواق والنظام المالي العالمي الذي يقوده الدولار، ما يعني أنَّ التقارير التي أشارت الى خسارة الاقتصاد الأميركي نحو 800 مليار دولار ليس لها ما يثبت صحتها، وتعدُّ محاولة بائسة للنأي بمن سجل براءة اختراع هذا الفيروس في العام 2015.