البصرة الغاضبة.. العودة الى الاحتجاج الاجتماعي

العراق 2018/12/17
...

ابراهيم العبادي 
لم يساور الجمهور البصري الشك بان حراكهم الغاضب سيأتي بنتائج سريعة، فهذا الجمهور يدرك ان ازمة الخدمات في البصرة هي نموذج مصغر لأزمة ضياع الدولة وعدم قدرتها على القيام بوظائفها الاساسية، وسبب ذلك لا يعود الى قلة المال المرصود او تدني كفاءة الاطر الادارية والتخطيطية فحسب، بل الى انعدام الرؤية السليمة وهيمنة عقلية الاستنفاع واستهانة الاحزاب والقوى المهيمنة بمشاعر الجمهور الغاضب، وعوضا عن المراجعة الشاملة واستيعاب دروس الصيف الماضي وحرائقه واحتجاجاته الشرسة، مالت الاحزاب كالعادة الى التفسير التآمري لتريح نفسها من المسؤولية ووجدت في ما يسمى بالتيار الثالث والمندسين والمغرضين والمرتبطين بالسفارات، خشبة خلاص لتنفض يديها من جسامة ما فعلته بالبصرة خلال السنوات الماضية. فقد ضاعت اموال كثيرة خلال السنوات الاربع عشرة المنصرمة، واستحوذت قوى نافذة على المشاريع والمقاولات ومصادر الثروة، وتركت البصرة لمصيرها الايل الى المزيد من التردي، لان من خطط للمشاريع ومن وضع الاولويات ومن نسج العلاقة مع المستثمرين والشركات هم ممثلو الاحزاب التي تدير مجلس المحافظة محاصصة بينها واقتساما للنفوذ والثروات، فشاع فساد كريه، وتكدست اموال لدى سياسيين وهيمنت علاقات زبائنية بين من يملك السلطة والقوة والادارة والقدرة على التخويف وبين من هو مستعد لتقاسم الحصص.  من يسير في احياء البصرة لا يشعر انها مدينة النفط العملاقة وحاضرة العراق الاولى ومخزن افكاره ومدرسة ادابه ونموذجه الاجتماعي المتعايش. البصرة مدينة تعج بالمهاجرين من المحافظات المجاورة، تختنق بصراعات احزابها وفشل اداراتها وهيمنة الانتهازيين على قراراتها، فضلا عن بؤس صورتها وقذارة  شوارعها واسواقها، لكأنك تمشي في مدينة ضائعة تبحث عن اولويات العيش فلاتجد ماء نظيفا أو شارعا يليق بصورتها التاريخية ومجدها الغابر، البصرة تشكو من عدم تقدير الحكومات المركزية لاخفاقات اداراتها وتعاظم مشكلاتها الاقتصادية والخدمية والاجتماعية، ساعة يدرك الساسة ان البصرة مختبر نجاحهم وفشلهم انئذ يتم التفرغ لحلحلة مشاكلها ،لكن  جوهر مشكلة جمهور البصرة تتمثل في عدم قدرته على الدفع بحراكه الاجتماعي باتجاه استبدال الطبقة السياسية المحلية، فثمة رشى  حزبية وعشائرية تلعب بمشاعر البصريين، ولذلك تمثل البصرة نموذجا للخراب العراقي على  الاصعدة المختلفة، فيما كانت المراهنة عليها لتغدو بوابة الخليج في البناء والاعمار والتعايش والديمقراطية الاجتماعية .
لقد صبر البصريون بعد انفلات غضبهم ظنا بان الحكومة الجديدة ستولي مشكلاتهم اولوية اجرائية ومالية سريعة، لكن احزاب السلطة سرعان ما تحفزت من جديد لتستفيد من الاموال المرصودة كونها (اليد الامينة) على  تنفيذ المشاريع وانقاذ الناس من مشكلاتهم اليومية، في حراك لا ينم الا عن  انتهازية مفضوحة واندفاع باتجاه الهيمنة والاستيلاء على سلطات المحافظات، ولا بأس ان يكون هذا الاندفاع باسم الاصلاح وادعاء تحقيق الانجاز .
ما يدور في شوارع البصرة مجددا هو احتجاج اجتماعي مرشح للتطور الى مديات خطيرة ما لم تبدا الحكومة المركزية حراكا جادا يمنع هدر الاموال او استنزافها على ايدي مافيات البصرة الحزبية والسياسية، وسيكون نجاح الحكومة رهينا بحل مشكلات البصرة اولا، فاذا اخفقت الدولة هناك فان الاخفاق سيسري الى كافة المحافظات .