زهير كاظم عبود
يقيناً ستنتصر البشرية على فيروس كورونا ، وسيتم تحجيم المساحة التي يمكن ان ينتشر بها ، كما سيتقلص عدد حالات الوفاة ، بعد أن تمكن العلماء والباحثون من إيجاد الدواء واللقاح الكفيل بالقضاء عليه ، وكأي فيروس تمكنت البشرية من قهره وتسجيله رقماً ضمن أرقام الفيروسات التي تركت أثراً حزيناً ومؤلماً في تاريخ البشر ، بعد ان تنتهي مرحلة كورونا ستتغير معالم وتتأثر قضايا وتتبدل مواقف.
العراق واجه الفيروس في زمن عسير وهو يعيش محنة داخلية وسياسية واقتصادية ، لكن المواجهة التي قام بها أطباء وطبيبات والكوادر الصحية وعمال المستشفيات ، تنم عن موقف وطني مخلص ، وتكاتف ملحمي قل نظيره ، كما وقف أبناء أجهزة الأمن والقوات المسلحة موقفاً داعماً لإيقاف انتشار الفيروس والمساهمة في نشر الوعي وتطبيق القانون أثناء فترة الحجر الصحي والوقائي.
خلال هذه الفترة برزت لدينا مواقف إنسانية من بعض الشخصيات التي دفعها حسها الوطني ، وحرصها الأكيد على مساعدة الناس نجد من الضروري تنميتها وتشجيعها ، علينا ان نسهم جمعياً في بناء مستوصفات ومستشفيات في كل منطقة وقضاء وناحية، وان تعيد وزارة الصحة حساباتها في استيراد الأجهزة الضرورية والمهمة التي تواجه بها مثل هذه الكارثة الإنسانية ، وتنمية الوعي والتكاتف الاجتماعي في دعم المشاريع الإنسانية لا تخل بحركة التنمية والتطور التي ينبغي أن تتضمنها خطط الحكومات المقبلة ، وأن نعرف يقيناً من وقف معنا وساعدنا في هذه المحنة من الدول العربية أو الأجنبية، كما علينا مرة اخرى ان نعيد حساباتنا في بناء اقتصاد حديث يضمن بشكل حقيقي وشفاف وجدي قضية الاستثمار وتنويع مصادر الدخل ، وإعادة الثقة بالقطاع الخاص في بناء العراق.
وألا نتكل على المنظمات الدولية في أن تقف لنا مثلما وقف لنا أبناء العراق المخلصون ، في مساعدة الفقراء والمحتاجين ودعم ذوي الدخل المحدود وعمال القطاع الخاص ، وأن نتعلم بأن الالتزام بالقانون طريقاً يؤدي الى معرفة نصوص القوانين وما تهدف إليه حتى يمكن أن يكون احترام القانون هو الفيصل الأساس في البناء والحق ، وان فقراء العراق أمانة بين أيدينا يتوجب على المتمكنين مادياً إعانتهم وإيجاد الوسائل والسبل لتشغيلهم واستغلال طاقاتهم، وان لهم حقوقاً ينبغي على الحكومات ان تحققها ، وأن نسعى لنتحصن من مفاجآت القادم من الأيام واثقين من أنفسنا ، كما نتعلم أن الشائعات والأخبار السياسية الكاذبة من شأنها أن تربك الوضع الإنساني والاجتماعي وتضر البلاد ، وأن نتعلم بأن بلدنا يمكن ان يستعيد مكانته الاقتصادية والسياسية بالقضاء على الفساد واحترام القانون ، وأن تكون لنا حماية وضمانات لتخفيف الأضرار الناجمة من مثل هذه ألازمات والكوارث ، وان مقياس نجاح أي حكومة أو سلطة مناط بإمكانية السيطرة على الكوارث والأزمات وما توفره بشكل سريع ومتمكن في مواجهة مثل تلك الحالات ، وما يحزن النفس أن أهلنا لا يزالوا حتى اليوم في مخيمات متهرئة وبالية لا تصمد أمام الشتاء والصيف ، لم تتمكن حكوماتنا أن تجد لهم الحل في إعادتهم إلى مدنهم وبيوتهم ، وعلمتنا تلك الفترة بأن الإنسان أغلى من النفط وهو المحور الأساس والرئيس الذي تقوم الدولة والحكومات بخدمته ،كما ان التلاحم الوطني والتكاتف الاجتماعي بين العراقيين هو الأساس الذي يجمعهم ،وهذا التلاحم والتكاتف كفيل بأن يقضي على كل الأمراض الاجتماعية والسياسية التي تنخر البلد ، علينا ان نعيد ترتيب حالنا وأوضاعنا الإنسانية والاجتماعية وحتى السياسية بعد مرحلة الكورونا ، وعلينا ان نعد العدة للتكاتف من أجل بناء عراق صحيح ومعافى وخال من كل متعلقات الفيروسات.
رغم خساراتنا الكبيرة برحيل عدد من رجالنا ونسائنا بهذا الفيروس الغادر ، فاننا حصدنا نتائج ايجابية أخرى علينا استثمارها وترتيبها بحيث يتحتم علينا ان نعيد قراءة واقعنا الاجتماعي ، وإذا كانت فترة سيطرة الكورونا على شوارعنا وأزقتنا وبيوتنا ، فان النظافة والوقاية مطلوبة في كل زمان قادم ، وأن لا استهانة من كل مرض او فيروس او مكروب مهما كان ، مادامت غايته إضعافنا وهزيمتنا ، وأخيراً فان ما أظهرته فترة الحجر الصحي والوقائي من الكورونا يدلل على ان العراقيين تواقون للالتزام بالوقاية ومتابعة طرق الحصانة ومواجهة الفيروسات ، ومبدعون في علاقاتهم الاجتماعية والإنسانية ، وان الأمل كبير في أن تكون لنا دولة يحكمها القانون والدستور.