د.عبد الواحد مشعل
ينبغي إعطاء الموضوع أهميته القصوى وعدم الاستهانة به تحت إي مسوغ كان، فالأمر جلل ويجتاح أكثر من ثمانين بلداً في العالم، منها العراق الذي يجاور رابع بلد في العالم ينتشر فيه المرض بشكل واسع، وهو إيران ما يتطلب إجراءات صارمة وعاجلة في غلق الحدود وتشديد الرقابة الصحية الى أقصى درجاتها للقادمين من العراقيين المقيمين فيها.
وكذلك القادمون الى العراق من بلدان العالم الأخرى، فالوقاية شرط أساسي للحد من انتشاره في البلاد،وهو يتطلب وعياً اجتماعياً وصحياً من المواطنين كافة، واتخاذ التدابير الشخصية اللازمة لكل مواطن والالتزام بالإرشادات الصادرة من وزارة الصحة، ومن خلية الأزمة المشكّلة لهذا الغرض.هل هناك حاجة لإعلان الطوارئ. إنَّ ذلك مرتبط أساساً بتقدير خلية الأزمة التي ينبغي أن تقّيم الوضع الصحي ليس على أساس حالات الإصابة وعددها وحسب، وإنما على اساس تقييم مستوى الوعي الصحي والثقافي لدى المواطنين ، وهو يتطلب الاعتماد على مجسات كثيرة منها الاستطلاعات الصحفية والعلمية القائمة على المعايشة الميدانية لمعرفة مدى استعداد الافراد للتصدي لهذا المرض والوقاية منه، وحاجة كهذه ضرورية للغاية مع تردي الأوضاع الصحية في المستشفيات الحكومية والأهلية ،وعدم توفر الاستعدادات اللازمة التي ترتقي الى خطورة الحالة، أن تقييما ًمبدئياً للوضع الصحي وحركة الناس اليومية، وكثرة المناسبات الاجتماعية من مجالس العزاء والأفراح والمناسبات الاجتماعية اليومية والتجمعات في الأسواق ،ولاسيما الأسواق الشعبية ،وعدم وجود اهتمام شخصي واضح وكاف لدى المواطنين،ووجود بعض حالات الحجر الصحي غير المكتملة الشروط سواء صحياً أو في طريقة التعامل مع الحالات المشكوك بها ، يضعنا جميعاً أمام مسؤولية أخلاقية ووطنية في رفع حالة الاستعداد والنفير الصحي من توعية وتعقيم المرافق العامة والخاصة وبشكل مستمر، و يفرض على خلية الأزمة والحكومة بأعلى مستوياتها التفكير جدياً بأهمية إعلان حالة الطوارئ الصحي في البلاد تفادياً لاي مخاطر صحية تفوق القدرات المتوفرة.
دور وسائل الإعلام
وسائل الإعلام سلاح ذو حدين، وهو مرتبط بوعي السياسات الإعلامية بمسؤوليتها الأخلاقية والإعلامية تجاه قضايا حساسة تمس حياة الناس، فالحد الأول (الدور الايجابي) فلهذه الوسائل أدوار فاعلة وايجابية في التصدي لهذا المرض ونشر الوعي الصحي للوقاية منه، وتذكير الناس في كل وقت بخطورته بشفافية عالية على حياة الإنسان، وهذا يأتي من استضافة ذوي الاختصاص في برامجها المرئية والسمعية والمكتوبة لتوضيح مخاطر المرض على المجتمع ، وبيان طرق التصدي له ، أما الحد الثاني (الدور السلبي) لوسائل الإعلام قد يكون غير مقصود إلا انه يشير الى ضعف فهم الرسالة الإعلامية بمثل الحالات الخطرة للمرض، وعدم تقديرعواقبها على الناس، فبعض الوسائل تعلن بعض الاخبار بطريقة مستعجلة عن طرق التعامل السيئ لبعض حالات الحجر الصحي، التي قد تفهم من كثير من الناس بطريقة سلبية ما يدفع بالكثير من الذي يشكون بتعرضهم لهذا الفيروس، بعدم مراجعة المراكز الصحية المختصة خوفاً مما يسمعونه من التعامل الذي يفتقر الى المهنية، الأمر الذي يتطلب من وسائل الإعلام المختلفة التعامل بحساسية مع هذه الحالات ،وعلى أساس انساني وبمسؤولية عالية،وعلى الرغم من أهمية فضح ذلك، فانه قد تكون له نتائج سلبية في كشف حالات خطرة في المجتمع، وبدل الإعلان عن ذلك على الملأ ينبغي الذهاب بالأدلة الى أعلى مراكز المسؤولية في الدولة لنقل ذلك لها للحد منها ومحاسبة المسؤولين عنها ، وهذا لا يعني إعفاء وسائل الإعلام من دورها الرقابي، لكن ينبغي أن يتم على أساس حساب الظرف الحساس الذي يمر به الوضع الصحي للمواطنين، لا سيما مع وجود شكوك مسبقة لدى الكثير منهم بقدرة الجهات الصحية على التعامل الصارم مع هذه الظاهرة سواء بسبب ضعف الإجراءات الحاسمة أو نقص الوسائل والتقنيات الطبية اللازمة للتصدي للمرض.
المناسبات الاجتماعيَّة
لا شك أنَّ للمناسبات الاجتماعية مثل مجالس العزاء أو حفلات الاعراس والمناسبات الأخرى مخاطر كبيرة في نشر المرض، لاسيما أن هذه المناسبات يختلط فيها الناس من مشارب مختلفة، ويكون التصافح بالأيدي والتقبيل ظاهرة مكررة ،ما يجعل نشر المرض حالة متحققة –لا سمح الله-، ما يتطلب من الجهات الحكومية التدخل السريع لمنع هذه المناسبات والحد منها بتطبيق القوانين اللازمة والتعليمات الصادرة من خلية الأزمة والجهات الصحية في البلاد، على ان تسبق ذلك حملة توعية ثقافية واسعة النطاق عن مخاطر انتشار المرض، وإذا لم تتمكن الجهات المسؤولة الحد من هذه المناسبات في المرحلة الراهنة ،يكون لإعلان حالة الطوارئ الصحي مبرراته المقبولة على الأصعدة كافة.
مسؤولية جماعيَّة
إنَّ الأمر خطير للغاية وتوقع الأسوأ، أمر وارد، وان التقليل من خطورة ذلك لا يصب في مصلحة احد، فكثير من الدول المتقدمة صحياً وتقنياً مثل ألمانيا وايطاليا وفرنسا وغيرها ، تشعر بهذا الخطر الذي لا تزال دوائرها الصحية عاجزة عن السيطرة عليه، فما بالك بالبلدان النامية ومنها العراق، وعلية فان إعطاء الأمر حالة الإنذار القصوى واستنفار كل الجهات الرسمية والشعبية للتصدي للمرض ،ضرورة تتطلبها المرحلة الراهنة ، على أن يتم إشراك الأهالي والناشطين من المتطوعين في حملة جماعية واسعة تشمل مناطق العراق كافة ، للتصدي للمرض والقضاء عليه، فالمسؤولية جماعية للوقوف بحزم لحماية الحدود الدولية، ومراقبة المناطق الداخلية وتشجيع الأهالي على إجراء الفحوصات المجانية، كما يتطلب توزيع الوسائل الوقائية وعلى نطاق واسع وبشكل مجاني، فإذا ما قامت الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمجالس البلدية، فضلاً عن العشائر بادوارها، فان ذلك سيبعد شبح الخطر عن البلاد، على أن ترافقها حملات إعلامية واسعة النطاق لتوعية الناس وتبصيرهم بمخاطر المرض، وإذا فشلنا في تحقيق ذلك، فان الندم لا ينفع بعد ذلك أبداً.