الأبحاث العلميَّة تجري بوتيرة سريعة لمواجهة «كورونا»

من القضاء 2020/04/03
...

باريس/ أ ف ب
 
نظّم قطاع البحث العلمي صفوفه منذ بدء انتشار فيروس كورونا المستجدّ فكثف أعماله متوخياً الشفافية، وهدفه التوصل سريعاً إلى أجوبة على أسئلة صعبة يطرحها وباءٌ عالميٌّ يتفشى بسرعة هائلة، من دون التخلي عن معايير الدقّة العلمية.
البحث جزءٌ من الرد
وقال رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى بيشا في باريس (يزدان يزدانباناه) لدى عرضه تجربة سريرية في آذار: «في زمن انتشار وباء، يكون البحث جزءا من الرد».
والتحدي هائل إذ يقضي باحتواء تفشي الفيروس واختبار علاجات ضده والبحث عن لقاح ضد وباء (كوفيد – 19). وفي مواجهة مثل هذه الضغوط غير المسبوقة، يتقدم البحث العلمي بسرعة لم يُظهرها من قبل في مواجهة أي مرض جديد.
لقد توصل العلماء إلى فك رموز جينوم الفيروس في غضون بضعة أسابيع. وقال اختصاصي علم الأوبئة في معهد باستور أرنو فونتانيه متحدثا لإذاعة «فرانس كولتور» بهذا الصدد: «استغرق الأمر سنوات بالنسبة للإيدز... نعيش في مرحلة مختلفة تماماً. والأمر ملفتٌ بالنسبة للوقت الذي كسبناه».
فبعد بضعة أيام على تسجيل أولى حالات الالتهاب الرئوي في مطلع كانون الثاني في ووهان، بؤرة الوباء في وسط الصين، نجح علماء صينيون بسلسل كامل جينوم فيروس كورونا المستجدّ، وتقاسموا النتائج لاحقاً مع زملائهم في دولٍ أخرى من خلال قاعدة بيانات دوليَّة.
واستناداً إلى نتائج هذه الأعمال، توصل معهد باستور في فرنسا ومختبر ألماني إلى ابتكار فحص جزيئيّ موثوق سمح بتشخيص أولى الإصابات بفيروس كورونا المستجدّ في أوروبا. ويعمل باحثو معهد باستور حاليا على تطوير فحوص تسمح بقياس درجة المناعة العامة لدى مجموعة أو شعب، ما يعدُّ أساسياً لرفع تدابير الحجر المنزلي.
 
هيئة «رياكتينغ»
وتمكنت أوساط البحث العلمي في فرنسا من تعبئة صفوفها بشكل سريع من خلال هيئة أقيمت لهذا الهدف عرفت باسم «رياكتينغ» أو «البحث والعمل ضد أمراض معدية مستجدّة»، ويشارك فيها أطراف من جميع قطاعات الأبحاث بما فيها فروع العلوم الإنسانية.
وأوضح الطبيب المتخصص في علم الأوبئة والمنسق العلمي في هيئة «رياكتينغ» إريك دورتنزيو: أنَّ «الحاجة إلى مثل هذه الهيئة ظهرت خلال انتشار إنفلونزا «إتش1إن1» في 2009، بعد «الإقرار بالفشل: فلم يكن هناك تنسيقٌ بين الباحثين في مختلف المعاهد بما يتيح إجراء أبحاث مجدية في ظل وضع أزمة».
 
تجربة سريريَّة
باشرت الهيئة العمل على التصدي لفيروس شيكونغونيا في جزر الأنتيل عام 2013، وعززت خبرتها لاحقاً لدى مكافحة فيروس إيبولا في إفريقيا. وأوضح إريك دورتنزيو بهذا الصدد «أثبتنا عندها أنَّ بالإمكان إجراء تجربة سريريَّة بشكل عاجل، سواء كان الأمر يتعلق بعلاج أو لقاح».
ويعمل مئات الباحثين منذ كانون الثاني على درس فيروس كورونا المستجد. وقال دورتنزيو «ينضمّ إليهم كل يوم باحثون جدد. كما ترد عروض مساعدة عفويّة. اضطر البعض إلى إعادة توجيه أعمالهم، بل أحياناً التخلي عنها... الظرف طارئ إلى حد أنَّ الجميع يدرك ضرورة دفع العلم قدماً».
وشكل الأطباء منذ ظهور الإصابات الأولى في فرنسا شبكة مراقبة واسعة، وهي  مرحلة أساسية لأي أبحاث.
وتواصلت هيئة «رياكتينغ» مع شركاء أوروبيين بهدف إجراء تجربة سريريَّة واسعة النطاق أطلق عليها اسم «ديسكوفري» بدأت مؤخراً على 3200 مريض في سبع دول.
وقالت اختصاصية الأمراض المعدية في مستشفى «لا كروا روس» الجامعي في مدينة ليون الفرنسية فلورانس أدير التي تتولى إدارة المشروع: «إنه إنجاز مطلق أنْ نكون نجحنا في وضع بروتوكول بهذا الحجم في فترة قياسيَّة من الوقت»، في حين أنَّ آلية التجارب السريرية تستغرق عادة أشهراً، لا بل سنوات.
 
ضغط بالغ الشدة
وأوضح طبيب في أحد مستشفيات المنطقة الباريسية لوكالة فرانس برس طالبا عدم كشف اسمه «صمّمنا  ديسكوفري تحت ضغط بالغ الشدة لتقديم استجابة علمية، لأن الموجة قادمة. وذلك مع الحفاظ على معايير البحث السريري».
لكن العديد من الباحثين عبر العالم نددوا بـ»اهدار الوقت» منذ انتشار وباء سارس (متلازمة التهاب الجهاز التنفسي الحاد) عام 2003، مشيرين إلى سوء تمويل الأبحاث حول سلالة فيروسات كورونا الذي حال دون تخصيص مجهود كاف لهذا الغرض، الأمر الذي يحرمنا ربما اليوم من دواء فعال.
وقال جاسون شفارتس من كلية الصحة العامة في جامعة يال إن «الاهتمام المتزايد بالبحث والاستثمار الناجم عن ظهور وباء جديد، غالبا ما يتراجع بشكل سريع بعد انحساره».
ويأمل الباحثون أن يستخلص العالم العبر من الأزمة الحالية.
 
«عواقب سلبية»
ومن التغييرات الأخرى التي نتجت عن الأزمة الصحية الحالية فورة المنشورات العلمية. وأحصت مجلة «نايتشر» ما لا يقل عن 900 مقال أو مقتطفات مسبقة من مقالات أو دراسات  حول فيروس كورونا المستجدّ في العالم بين شباط وآذار. وتُنشر مقتطفات الإصدارات الطبية على الإنترنت في وقت أبكر، مع إتاحة الاطلاع مجانا على عدد متزايد من المقالات.
وجمعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) الأسبوع الماضي عبر دائرة الفيديو 73 وزيرا للعلوم عبر العالم، دعتهم إلى دمج «العلم المفتوح» في أنظمة البحث المعتمدة في بلدانهم من أجل «تقاسم أفضل للمعلومات».
لكنَّ الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (سي إن إر إس) المتخصص في الاقتصاد الصحي جوسلان تويلييه حذر بأن إتاحة العلم للعموم «إنْ كان مفيداً بصورة عامة للمجتمع المدني، فقد تكون له عواقب سلبيَّة حين تلقى بعض الدراسات التمهيدية انتشاراً أسرع مما ينبغي في الإعلام» كما حصل مؤخراً مع دواء الكلوروكين. وقال: «هذا قد يولّد سلوكاً غير منطقي على ارتباط بدراسة جديدة أجريت تحت راية العلم، لكنها لم تلق بعد مصادقة كاملة من خلال إتمام الآلية العلميَّة».