د. كريم شغيدل
جائحة كورونا، بحسب التقديرات، تختلف عن بقية الأوبئة التي مرّت بها البشرية، ولو هناك حديث عمَّا يسمّى بالموت العظيم قبل أكثر من 150 ألف سنة، لكن هذه المرّة تختلف عن الطاعون وعن الكوليرا والتدرن الرئوي سارس وبقية الأنفلونزات التي تحددت مساحاتها وضحاياها. الأمر الآخر إنّ دول الغرب المتقدمة كانت بمنأى عن المخاطر، فرقعة الوباء مفتوحة، بدأت من آسيا واتجهت إلى أوروبا والأميركيتين الشمالية والجنوبية وإفريقيا، ولم يكن عالمنا العربي بعيداً عنها، بل ربّما تكون إفريقيا الأقل تعرضاً، ليس ثمة معيار جغرافي أو اقتصادي أو بيئي للوباء، أصيبت دول تعد عظمى على المستويات الاقتصادية والحضارية والتقنية والبيئية والخدمات الصحية، بينما تنعم دول تعد فقيرة ومتخلفة بالأمان، ولا نعلم ما الذي تخبّئه الأيام. نريد القول إنّ الجائحة خطيرة بمعنى الكلمة، ونحن في العراق لا نمتلك حلاً سوى الوقاية، ولحدّ هذه اللحظة لعبت خلية الأزمة دوراً فعالاً في حماية المواطنين، فحظر التجوال هو الإجراء الوقائي المتاح لمواجهة الوباء، لكن للأسف هناك حالات خرق ربما عن جهل وتجاهل وعناد، ومراكز المدن أفضل بكثير من الأطراف، إذ تنتشر القوى الأمنية إلى جانب تحديد مسارات السير بعد قطع العديد من الشوارع وإغلاق بعض المناطق، لكن للأسف هناك مناطق شعبية ذات كثافة سكانية ما تزال أسواقها عامرة ومزدحمة ليس لاقتناء بعض الحاجات الضرورية ممّا تحتاجه الأسرة، ولكن للتنزه والتسكع مع الأصدقاء، بل بعضهم ما زالوا يقيمون الدورات الرياضية في لعبة كرة القدم بحضور جمهور غفير لقضاء الوقت، على العكس من ذلك هناك من أجَّل أو امتنع عن إقامة مجالس العزاء لذويهم، وهناك من بالغ بإجراءات الحظر على أسرته وهذا هو
الصحيح.
أُسرٌ كثيرة فقدت مصادر رزقها، لا سيّما ذوي الدخل المحدود ممّن يعيشون على الأجر اليومي، والكسبة وغيرهم، بالمقابل بادرت قطاعات عريضة من أبناء الشعب للمساعدة، سواء من الأقارب أو من أصحاب الخير، بل إن بعض باعة الخضروات والمواد الغذائية بادروا لتوزيع حصص لمن يستحقها، وقد كشفت الأزمة عن المعادن الحقيقية للعراقيين الأصلاء، وكان لإجراءات صرف الرواتب بالغ الأثر في استقرار غالبية الأسر وإطلاق يدها في التكافل الاجتماعي بالقدر الممكن، وحقيقة شهدنا حالات لا تعد ولا تحصى، ربّما أهمها نشر أرقام هواتف بعض الموسرين لمساعدة المعوزين، وصور غاية في الحس
الإنساني.
أما كوادرنا الطبية، أولئك الجنود المجهولون، فيستحقون أن ننحني إجلالاً لما يبذلونه من جهود استثنائية سواء في العمل أو في التوعية الإعلامية عبر الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي، وهم بحق خط الصد الأول بما يتحملونه من مخاطر العدوى عليهم وعلى أسرهم- لا سمح الله- فهم في حرب حقيقية مع جيوش متوحشة لا ترى بالعين المجردة تسندهم قواتنا الأمنية بمختلف صنوفها وهم يحتضنون الشوارع للحفاظ على سلامتنا، فبقدر السلبيات هناك من الإيجابيات ما يفوقها والحياة تجارب.