كورونا قد ينتهي باسقاط حكومات

بانوراما 2020/04/07
...

 ترجمة: انيس الصفار  
في يوم 27 نيسان أعلن رئيس وزراء بريطانيا ذو الصوت الهادر بوريس جونسون على حسابه في تويتر بأن فحص كورونا الذي اجري له قد جاء بنتيجة موجبة (كان هذا قبل أن يدخل الى المستشفى بعد عشرة أيام). سرعان ما تبع جونسون الى العزل الذاتي مسؤولان بريطانيان كبيران آخران هما مات هانكوك وزير الدولة للشؤون الصحية ودومينيك كامنغز كبير مستشاري جونسون. هذه الاخبار حظيت بتغطية اخبارية واسعة واحدثت موجات صدمة في كل ركن من المؤسسة السياسية.
في الاحوال الاعتيادية، يكون الزعماء السياسيون بعيدين عن فزع الاحداث الصحية الجسام بفضل ما ينعمون به من ثراء وسهولة حصولهم على الرعاية الصحية الخاصة. إلا أن فيروس كورونا اصاب قادة وزعماء في جميع انحاء العالم، فقد ابتلي به مسؤولون في الولايات المتحدة واستراليا، وحتى "صوفي تروداو" زوجة رئيس الوزراء الكندي أصيبت به.
في ايطاليا اصيب بالعدوى "نيكولا زنغاريتي" زعيم الحزب الديمقراطي (والشريك في التحالف الحكومي)، كما اصيب بها "روبرتو ستيللا" رئيس نقابة الاطباء في اقليم فاريس وتوفي. في فرنسا مرض وزير الثقافة "فرانك رايستر" وكذلك خمسة اعضاء في البرلمان.
في الولايات المتحدة خمدت الشائعات المتعلقة بصحة الرئيس "دونالد ترامب" حين أعلن أن نتائج الفحص الفيروسي الذي اجري له قد جاءت سالبة، ولكن سياسيين أميركيين آخرين لم يكن حظهم مثل حظه. فالسيناتور "راند بول" من كنتاكي أصيب بالفيروس, وفي نيويورك التقط العدوى عضوان في مجلس الولاية، كما التقطها "فرانسز سواريز" عمدة ميامي. شخصيات بارزة كثيرة أخرى لاذت بالعزل الذاتي، ومنهم السيناتوران "ريك سكوت" و"تيد كروز". 
رغم هذه الحالات البارزة يتوقع ان تمتلك المؤسسات الديمقراطية في جميع هذه الدول مستوى من الحيوية والنشاط يكفلان لها التعامل مع حالات فقد الأهلية أو الركون للعزل الذاتي التي تقع على قادتها لفترة قصيرة. حتى لو آلت الأمور الى أسوأ الاحتمالات فإن هذه الدول قد سبق لها تجربة آليات تمكنها من اختيار بدلاء جدد يحلون محل الزعماء الغائبين، سواء كانوا نواباً أو رؤساء وزراء أو رؤساء دول.
بيد ان العواقب تأخذ شكلاً مختلفاً كل الاختلاف في دول مؤسساتها السياسية ضعيفة وحيث يكون معلوماً أن مرض الزعيم او وفاته سيولدان شكلاً من اشكال فراغ السلطة الذي يحفز الزعماء المنافسين او احزاب المعارضة أو الجيش على الانقضاض للاستيلاء على السلطة. هذا الوضع يمثل مشكلة على نحو خاص في الدول، حيث الضوابط والموازنات اضعف والاحزاب السياسية لا تمتلك آليات ثابتة عند اتخاذ القرار، وهذا يصدق على اجزاء من افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا ما بعد الحقبة الشيوعية. وفقاً لما يقوله الباحثان "روجر غوفيا" و"جون هولم" فإن 61 بالمئة من حالات انتقال السلطة في أفريقيا لا تمر عبر ضوابط وآليات يحكمها القانون، والعديد من هذه الحالات أورثت بلدانها 
ازمات سياسية.
ثمة دول تكون السياسة فيها أكثر ارتباطاً بشخص الحاكم، وفي هذه البلدان يؤدي موت الزعيم القائد الى انطلاق نزاعات مدمرة بشأن من الذي سيتولى الحكم بعده وهي قد تفضي الى شق صف الحزب الحاكم أو التشجيع على وقوع انقلاب عسكري في أسوأ الحالات. لهذا السبب كانت اصابة مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى بفيروس "كوفيد-19" مبعث قلق شديد في دول مثل بوركينا فاسو وإيران ونيجيريا، لأنها بلدان تعاني اصلاً من انظمة حكم غير مستقرة.
في الواقع انه شيء مقلق، ان ينتشر فيروس كورونا كل هذا الانتشار بين اوساط طبقة النخبة في دول تتعدى اعمار كثير من سياسييها الكبار 60 عاماً، الأمر الذي يجعلهم عرضة للخطر بشكل خاص. في بوركينا فاسو، وهو بلد نال أكثر من نصيبه العادل من الاضطرابات في السنوات الأخيرة ويناضل اليوم بوجه حركة تمرد، جاءت نتائج اختبارات وزراء الخارجية والتعليم والداخلية والمناجم موجبة جميعاً.
في نيجيريا، التي تعد احدى اهم دول القارة الافريقية من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، سقط "أبا كاياري" رئيس ديوان الرئيس محمدو بوهاري، ضحية لمرض الكورونا. ورغم تأكيدات وسائل الاعلام في تقاريرها بأن نتائج فحص بوهاري جاءت سالبة لم تنقطع الشائعات المضرة حول وضعه التي تزعم ان الرئيس، الذي يعاني من الامراض في اغلب الاحيان، قد بلغ مرحلة العجز حتى عن النشر 
عبر تويتر. على العالم ايضاً ان يولي إيران انتباهاً مشدداً، فقد بات من المعلوم حتى الان أن نائبين للرئيس وثلاثة مسؤولين في الوزارة قد التقطوا الفيروس. تفيد التقديرات ايضاً أن 10 بالمئة من اعضاء البرلمان والعديد من الشخصيات البارزة في الحرس الثوري مصابون بالمرض، ومن بين هؤلاء مستشار كبير للمرشد الاعلى آية الله علي خامنئي البالغ من العمر 80 عاماً، الأمر الذي يثير اسئلة بشأن صحته هو ايضاً. إذا ما امتدت فترة الفراغ في صميم الجسم الحكومي سوف يتصاعد خطر الأزمة السياسية.
أزمة القيادة هي واحدة فقط من الاسباب المحتملة للاضطراب السياسي التي يمكن ان يطلق شرارتها فيروس كورونا. من بين الاسباب الاخرى خطر التململ الشعبي والمديونية، وهذه سرعان ما ستكتنف دولاً عديدة في شتى انحاء العالم. الى جانب حقيقة ان بعض الدول المهمة في توفير الدعم الخارجي منشغلة الان بأزماتها المالية الخاصة، هنالك خطر جدي يتمثل في ان تواجه الدول الضعيفة سياسياً واقتصادياً عاصفة عاتية من حالات الوفاة والدين والبطالة الجماعية والاضطراب الاجتماعي 
بين اوساط النخبة. في اغلب الاحيان يتصاعد زخم الاضطراب السياسي من الاسفل. ففي البلدان حيث يشيع الفقر على نطاق واسع تكون الانظمة الصحية هشة متداعية وتكاليف الغذاء مرتفعة والمواطنون يعانون اصلاً 
من ضيق مالي شديد.  سكان الاحياء الفقيرة المحيطة بالعواصم يتحملون في معظم الاحيان نفقات اعلى للحصول على الماء النظيف والغذاء، نفقات تفوق ما يتحمله اولئك الذين لديهم ممتلكات غالية في مراكز المدن. الحياة تحت اوضاع الاكتظاظ في الاحياء الفقيرة تجعل العزل الذاتي مسألة عقيمة لا معنى لها، كما أن الدخل المحدود المرهون بالظروف الآنية يجعل من المستحيل على هؤلاء السكان شراء كميات كبيرة من المواد التي يحتاجون اليها او البقاء في منازلهم لأسابيع متتالية بلا عمل بينما خطر المجاعة يحوم فوق رؤوسهم. فالجوع بالنسبة لكثير من الطبقات الأشد فقراً في العالم يجثم متربصاً على مرمى ايام قليلة لا غير.
الاجراءات التي تتخذها الكثير من الحكومات في التعامل مع فيروس كورونا لا يتوقع منها إلا أن تفاقم وطأة تلك الضغوط، ومن اول الاسباب لذلك هو انها تهدم كثيراً من آليات التأقلم التي ابتدعتها تلك المجتمعات لأنفسها، كل حسب وضعه وظروفه، للتعامل مع انعدام الأمن المالي. في الهند حظر رئيس الوزراء "نارندرا مودي" على الناس مغادرة منازلهم لمدة ثلاثة اسابيع، فأدى هذا الى انطلاق موجة هجرة جماعية من المدن وأثار حالة هلع واسعة النطاق عندما أراد العمال المهاجرون العودة الى مناطقهم الاصلية فلم يجدوا وسائط نقل تذهب بهم. تفيد التقارير ان احد هؤلاء قضى نحبه من شدّة الاجهاد وهو يحاول قطع مسافة تزيد على 270 كيلومتراً الى قريته. على اثر ذلك طلب مودي الصفح بسبب هذا التأثير الذي احدثه الاغلاق العام على طبقة الفقراء، ولكنه أكد ان الاجراءات سوف تستمر رغم هذا.
الأوامر بفرض العزل والحجر لها تأثيرات مشابهة في اماكن اخرى ايضاً. ففي زمبابوي، حيث يؤدي ارتفاع تكاليف المواد الغذائية الى جعلها بعيدة المنال بسبب حالة التضخم العامة، عبر المواطنون الجياع عن معارضتهم للإغلاق الشامل قائلين انهم سوف يموتون جوعاً قبل تحقق الهدف من تلك الاجراءات. بل ان الحكومتين النيجيرية والرواندية قد وضعتا برامج صممت خصيصاً لإطعام الاسر الأكثر ضعفاً. هنالك ايضاً خطر جدي يتمثل بشعور الناس انهم مرغمون على انتهاك أوامر الإغلاق ما دامت الحكومات عاجزة عن تحمل مسؤولياتها، وهذا يمكن ان يسفر عن مصادمات مع قوات الأمن.
هنالك منذ الان احداث شغب متفرقة تقع في عدد من الدول، مثل ما حدث في احد سجون ايطاليا. في غضون ذلك تهدد جهود فرض حظر التجوال من خلال اساليب خشنة بمزيد من تداعي الثقة بالحكومات وقواتها الأمنية. هناك تقارير تتحدث عن انتهاكات واسعة لحقوق الانسان ترتكب في كينيا وجنوب افريقيا، حيث تستخدم الشرطة مدافع الماء والرصاص المطاطي لفرض الاغلاق قسراً.
تصاعد التوترات بين الجماهير الجائعة وقوات الأمن لا يتوقع له أن يحقق نتيجة سوى تقويض الجهود التي تبذل لاحتواء تفشي الفيروس، وبالتالي توقع مزيد من الاحتجاجات والتظاهرات. 
على المدى الأبعد تضع أزمة فيروس كورونا بعض أضعف اقتصادات العالم تحت أشد التوترات اختناقاً وضيقاً. في هذه السنة سيترتب على أفقر بلدان الأرض، التي تشكل نحو 25 بالمئة من تعداد سكان العالم، أن تدفع اكثر من 40 مليار دولار لدائنيها من الجهات الخاصة والعامة. في بعض الحالات، كما في لبنان وزمبابوي، لن تتمكن الحكومات من توفير الأموال الكافية لتأمين الخدمات الاساسية العامة لمواطنيها لأن حصة كبيرة من ميزانياتها سوف تذهب لسداد فوائد الديون المترتبة عليها. لذا فإن انتهاء أزمة فيروس كورونا قد تعقبها مباشرة سلسلة من الانهيارات الاقتصادية في كل مكان من دول العالم النامي.
اقراراً منه بأن ما نراه بات يشكل تهديداً مباشراً للمساعي الدولية الهادفة للقضاء على "كوفيد-19" أعلن صندوق النقد الدولي عن مقترحات تتيح المجال لمنح مزيد من السلف مع تأجيل دفع الديون بالنسبة للدول المتضررة. بيد أن هذا لن يؤدي إلا الى تأجيل اعباء المديونية المقبلة الساحقة وليس  الى درئها.
كان من الطبيعي ان تكرّس الدول في مختلف انحاء العالم جهودها لمكافحة فيروس كورونا، ولكن ما أن تصبح تأثيرات هذا الوباء على الصحة العامة تحت السيطرة سيكون من المهم والجوهري ان يتصدى المجتمع الدولي بصورة عاجلة للتكاليف السياسية والاقتصادية الأوسع التي يخلفها "كوفيد-19". هذا الأمر سيتطلب سخاء عظيماً في وقت تعاني فيه أغنى أمم العالم من اعباء ومصاعب داخلية جسيمة، كما انه سيعني مقاومة الميول الانعزالية التي تكون النزعة الأطغى في أوقات الشدائد والأزمات التي تمر بها الأمم.  في كل عام تهلك الحروب الأهلية وانعدام الاستقرار السياسي والفقر ملايين البشر، ولكن هذا المقدار من الموت كله قلما يجتذب تغطية اعلامية شاملة وموسعة مثل تلك التي حظي بها "كوفيد-19"، رغم انها في واقع الأمر ليست بأقل أهمية منه. 
أسوأ العواقب السياسية التي ستنجم عن فيروس كورونا بالإمكان درؤها ومنع وقوعها، ولكن بشرط أن تتحرك الحكومات والمؤسسات على الفور وبلا توانٍ. على الأمم الغنية أن ترفع ميزانيات مساعداتها بدلاً من قطعها، وعلى المنظمات الدولية ان تتحسب وتباشر العمل بحيث تتفادى الازمات السياسية بنحو احترازي اكثر من ذي قبل. هذا هو السبيل الوحيد لكي ننجو جميعاً من المحنة الراهنة بشكل لا ينتهي بنا 
الى انهيار المستقبل.