ماذا لو لم يسقط النظام؟!

آراء 2020/04/08
...

محمد خضير سلطان
 
بدءاً هذه السطور لا تسعى الى الإجابة على سؤال العنوان المذكور بقدر ما تحاول أنْ تستعيد المبدأ الفكري حسب مفكرين بأنَّ وقوع الأحداث سواء كانت كبرى أم صغرى هي ربما تبدو معادلة حسابيَّة لا تقبل الخطأ ولا تجافي المنطق فالوقائع التاريخيَّة، تأخذ موقعها الصحيح والدقيق من التاريخ مثلما تستقيم مكونات بذرة ما على صورة شجرة معينة، ولا يعني، أنها تُشبه غيبيات أو ميتافيزيقيا على نحوٍ معين وقد تبدو كذلك لولا سياقها الواقعي الموازي لحياة حقيقيَّة.
إذا كان التاريخ بنية سرديَّة ونسقاً متسلسلاً من الوقائع حسب بول ريكور فإنَّ الأحداث تقاسُ بمستوى الفعل السردي لدى الفاعلين السرديين القادرين على بناء الحدث وتسجيل امتياز تحقيقه وتمثيل صورته الحية، فما هو الفعل السردي في الخطاب السياسي المحلي، ومن أين يبدأ لكي ينسج أداءه المتخيل والواقعي ومن ثم يسجل في عداد التاريخ كنسق حقيقي يمثل جزءاً من 
العالم؟.
كان الخطاب السياسي العراقي الحديث ومنذ بدء تدشينه طيلة أكثر من مئة عام قائماً على الوافد الخارجي الذي يشكل صيغة البلاد المحتلة، بينما لم تنتج التجربة المتكررة صيغة البلاد المستقلة، وظلت الفكرة مواربة عقوداً من الزمن حتى بعد انسحاب الوافد 
عملياً.
وبدلاً من صناعة الدولة كانت عملية اصطناع زائفة سرعان ما تتكرر وتتكيّف لتغدو سلطات جائرة لا يهمها سوى الوصول الى سدة الحكم وممارسة العنف، وهذا لا يعني بأنها لا تستوعب بناء نظام أساس، يقوم على المعادلات المعاصرة في صنع الدول، ويعتمد على المجتمع في تداول السلطات ولكنها لدوافع أيديولوجية وتاريخية، تؤثر أنْ تدمج العالم الحقيقي في نظامها ذي الروابط الريفية والثيوقراطية التي تمثل خلطة وضعها المتخلف عن السياقات الصحيحة في الارتكاسات شبه المدينية وثيمات النزوح الريفي منذ العهد العثماني، وما تفعله هو طبيعة وجودها الخارجة عن التاريخ، فلا تمثل حدثاً حقيقياً يسجله التاريخ بحق وامتياز، بمعنى إننا نستطيع تسجيل تاريخنا السياسي المحلي ولكنْ لن نستطيع أبداً أنْ نجعله في نسق متسلسل، يفضي الى نتائج مترابطة، تحقق ظفراً موضوعياً أو ذاتياً، بل سرعان ما ينحلّ بما يسجله الوافد في مرماه، أي أنَّ التاريخ الحقيقي المتضافر جدلاً هو هناك، وتاريخنا السياسي هنا يمثلنا محلياً ولكنه ليس جزءاً فعالاً من العالم، أي أننا مكونات سردية ثانوية بالرغم من مركزية الوقائع التي نخوضها.
ومن المهم الاستدراك هنا، بأنَّ المقصود بالكلام هو تاريخ السلطة العراقية فقط، وليس تعميماً على مستوى منجز الأفراد والانتفاضات المنسّية التي قام بها المجتمع طيلة العقود الماضية.
بذلك، لم تقع الأنظمة السابقة جراء أسبابها العميقة التي تحفر في جدارها، ولكنها وقعت لأنها منذ أكثر من مئة عام، لم تقم منظومتها الذاتية والموضوعية التي تحرك الفعل السياسي وتبني هويتها السردية المحصّنة من التأثير 
الخارجي...