مواجهة المخاطر المشتركة

آراء 2020/04/11
...

أماني النداوي
 

إعلان منظمة الصحة العالمية أن فبروس كورونا قد أصبح وباءً عالمياً، جعل الكثير من قادة العالم وحكوماته يتسابقون في الخطابات والتصريحات بشأن اجراءاتهم الوقائية والصحية لمواجهة الوباء في داخل بلدانهم أو على الصعيد الدولي، ولا شك أن هذا الخطر الذي يهدد البشرية كلها سوف يسرّع في اتخاذ  قرارات دولية صعبة، لا تنعكس على الصعيد الصحي فحسب، لكنها سوف تمتد إلى مجالات عدة في مقدمتها السياسة والاقتصاد والمجتمع، فالحجر الصحي ومنع السفر وتعطيل الدوائر والمدارس والجامعات وانهيار اسعار النفط وتخصيص ميزانيات مالية طارئة تمثل بعض الجوانب القاتمة من هذه الأزمة الخطيرة وتداعياتها، التي لم تعرف حتى اليوم حدود خريطتها الجغرافية والزمنية، فالعالم كله مهدد بعدو واحد غامض شرس لا تنفع في مواجهته الجيوش  أو ترسانات الأسلحة التدميرية الهائلة، ولم توقف انتشاره عقاقير المختبرات أو ردهات المستشفيات، حتى اليوم، ولا يتوفر دواء ناجع سوى نصائح الأطباء التقليدية حول تقوية المناعة الجسدية الطبيعية!
البشرية  في مواجهة خطر وبائي شامل، يكاد يهدد الجنس البشري برمته، وهو ما يتطلب تعاوناً مشتركاً، غير مسبوق، ينبغي أن ينقل الأزمة من المعالجة الطبية والعلمية إلى مستوى جديد من  القرارات السياسية الحاسمة ، حيث يتوجب أن يعاد النظر في العلاقات عبر الحدود وتجاوز المصالح المتقاطعة وتأجيل الصراعات، وأن يرتقي الزعماء بقراراتهم إلى مستوى التحدي الجديد، وأن يكون هناك هدف إنساني نبيل يتمثل في الحفاظ على أرواح ملايين البشر وإنقاذ صحتهم من خطر مباشر، وإن طريقة الاستجابة من قبل الحكومات هذه المرة تتطلب السرعة والحزم، في ظل عالم متقارب ومتداخل عبر العولمة والإنترنت، وضرورة تجنب العثرات التي عطلت التعاون الدولي من قبل في مواجهة التهديدات السابقة مثل أزمة التغير المناخي والحد من التسلح النووي ومكافحة الفقر وحل النزاعات والحروب وتعزيز السلام
 العالمي!
 في كتابه الموسوم"الأوبئة والتاريخ:المرض والقوة والإمبريالية"* يتحدث الكاتب الأميركي شلدون واتس عن تاريخ الأوبئة والأمراض وانعكاساتها على العلاقات بين الدول والشعوب، وكيفية مواجهة المجتمعات المختلفة لمخاطر الفيروسات والجراثيم، عبر التاريخ، وبخاصة الأمراض الوبائية المعدية، التي عبرت الحدود، وأبادت الملايين في حقب تاريخية سابقة، مثل الجدري والطاعون والجذام والحمى الصفراء والملاريا والإنفلونزا، حيث يدعو إلى سياسة عالمية جديدة تقوم على المساواة والعدالة بين البشر في مواجهة المخاطر المشتركة، ومن أهمها المرض، فيقول:"شهد نصف القرن الأخير البزوغ المنتصر للطب كنسق علمي كامل التأثير والمؤكد في شفاء ومنع الأمراض التي تهدد الحياة، ولكن شهد كذلك اتساع الهوة في توفير أو عدم توفير الخدمات الصحية المؤثرة بين حفنة من المحظوظين وعدد كبير من غير المحظوظين أو المحرومين"!
ويشير المؤلف إلى تصريح للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية عام 1995، أكد فيه أن كارثة الصحة التي تحدق بمعظم سكان العالم تعود إلى(الفقر الشديد) ويمكن إضافة أربع مصائب أخرى:الزيادة السكانية، والنزعة الاستهلاكية/ التنمية، والقومية  والجهل!..وكلمة القومية هنا يمكن تفسيرها وفق السياق بالنزعات التعصبية والانغلاق والتمييز بين البشر، في حين يتطلب الجهل وقفة خاصة لعلاقته المباشرة بانتشار الكثير من الأمراض والأوبئة! 
يستعرض المؤلف في تشريح ظاهرة الوباء تجارب شعوب عديدة، ويميز بين المجتمعات التقليدية وبخاصة في الشرق، آسيا وإفريقيا، وبين المجتمعات الأوربية الغربية، التي كانت حتى القرن الثالث عشر تعتمد في خبرتها الطبية على التراث العلمي العربي والإسلامي، الذي وصلهم عن طريق الأندلس، ثم تبنت أوروبا العلوم التجريبية في القرون الأخيرة، في حين تراجعت المجتمعات الشرقية نحو التخلف، وراح الكثير من الناس، في ظل الفقر والجهل، يخلطون بين الدين والعلم والطب والدجل 
والشعوذة!
 خلاصة القول ان الأوبئة تنشر في بيئات متخلفة مهيأة، في الأغلب، وإن ظروف المجتمعات تمثل الأرض الخصبة للأمراض المتعددة، وينبغي قبل مطالبة الناس في مواجهة الفيروسات القاتلة من خلال تحسين الصحة العامة وزيادة المناعة ومراعاة النظافة الشخصية، توفير مستلزمات حياتهم الأساسية، مثل الغذاء والماء والدواء والسكن والخدمات التي تحتاج إلى(مناعة سياسية) ضد الظلم 
والفساد!
* شلدون واتس، الأوبئة والتاريخ:المرض والقوة والإمبريالية، ترجمة:احمد محمود عبد الجواد، المركز القومي للترجمة، القاهرة،2010