عبدالامير الهماشي
صفحة من صفحات البطولة العراقية يراد لها ان تطمس او تشوه من ذاكرة العراق الحديث لاسباب عديدة تتراكم في النفوس ... لم يكن المنتفضون آنذاك يملكون الا هماً واحداً هو التخلص من الاوضاع المأساوية التي انتجها نظام صدام بادخالهم في محارق الحرب الواحدة تلو الاخرى ...كانت هذه الانتفاضة والثورة الشعبية ثورة غضب وثورة جموع الشباب والكبار، مدن بكاملها خرجت ترفض نظام التسلط بالقوة وما إن خفت هذه القوة حتى بدأ الناس بالتعبير عن ما يمتلكونه من خزين الرفض وحولوا القهر الى شعارات ورصاصات توجهت الى صور وجداريات رأس النظام في كل شارع وساحة من ساحات المحافظات العراقية ...لقد كان جُل رجال الانتفاضة هم من المواليد التي عول النظام عليها او ما يصطلح عليه انهم من جيل (الثورة) الذي زرع فيه نظام البعث من الشعارات والتصورات صباحاً ومساءً وعلى مدار اربع وعشرين ساعة منذ نجاح انقلابهم المشؤوم سنة 1968 وتعاظمت هذه الامور بعد انقلاب صدام على حزب البعث سنة 1979ليتحول كل الاعلام العراقي الى تمجيد وحب للزعيم الاوحد والقائد الضرورة وبات العراقيون يصبحون ويمسون على صورته وبطولاته المزعومة .وتبين بعد ذلك ان كل ماحاولت آلة النظام الاعلامية زرعه وكل محاولات آلة النظام الامنية بان تطوع هذا الشعب وطبقاته ذهبت هباءً منثوراً وتلاشت مع اول شعور من الجماهير بضعف هذا النظام وتفكك خيوط القوة التي اعتمد عليها ...كانت هذه الانتفاضة او الثورة تعبيراً ودرساً بان الشعوب الحية ومنها الشعب العراقي لا يمكن الا ان تعبر عن ارادتها وان طال الزمن فانها ستحطم القيود المفروضة وتقول كلمتها الفصل رفضاً او قبولاً وكانت انتفاضة شعبان صفحة من صفحات البطولة والاباء التي اعاد بها الشعب ثقته بنفسه وكذب كل ماحاول النظام زرعه وتسويقه وانتهت مقولة (اذا قال صدام قال العراق) . كانت الانتفاضة رسالة تاريخية لكل من اوهمته الدراسات والتقارير بانتهاء عهد الثورات والتي تبجح بها رأس النظام حينما خطب في الناس (انتهى عهد الثورات !!!)وكانت رداً عملياً واضحاً لكل العالم بان شعب العراق حي وان سكت زمناً فهذا لا يعني موته ،وكان يمكن لهذه الثورة ان تستمر في نجاحها ولكن قضية الحكم في العراق لم تعد شأناً محلياً، فمنذ تعهد نظام صدام بالحرب وكالة عن الغرب والولايات المتحدة مع ايران التي استمرت ثماني سنين ، كان هذا النظام محمياً من كل محاولات الانقلاب ،ولهذا كشفت وكالات المخابرات العالمية الكثير من المحاولات الانقلابية وان كانت من داخل الحزب او قادة الجيش حتى وصل بعض الناس الى حالة من اليأس بالتخلص من هذا الكابوس ..ولهذا كانت عوامل اجهاض الانتفاضة متوفرة دولياً مع وجود قوات التحالف القريبة من الحدود العراقية التي سهلت للنظام استخدام مروحياته واسلحته الاخرى التي حرمته دولياً من استخدامها ضدها وسمحت له باستخدامها ضد الشعب العراقي المنتفض الذي رفع الشعار الاسلامي وكان عنواناً لانتفاضته وهو ما يعني ذهاب كل ما عملت له طوال السنين الماضية ولهذا كان بقاء صدام ضرورة لها فهو الغطاء المانع لاي توجه مغاير لما خططت له منذ منتصف القرن الماضي ..كان العامل الاقليمي والدولي سبباً في افشال الثورة العراقية، وهذا الامر قد لا تكفيه كلمتان موجزتان وانما بحاجة الى مناقشة تفاصيل وجزئيات داخلية واقليمية وقراءة للقرارات الدولية والخارطة السياسية العالمية لنستطيع ان نكشف المستور ،لان (الجريمة) التي اجهضت هذه الثورة واضحة ولكن ادواتها وتفاصيلها لم تعرف بعد وهي بحاجة الى توثيق موضوعي لتكشف كل ملابسات ذلك، والاهم ان تناقش بعقلية المفتش عن الحقيقة .. وكل ما استطيع قوله ان هذه الانتفاضة هي التي هدت اركان النظام وكسرت حاجز الخوف وكشفت للعالم انفصال هذا النظام عن الشعب وبهذا اصبح اسقاطه امراً مكفولاً للزمن ليس الا، وكانت بداية السقوط ولا يمكن الا ان نقول ان انتفاضة الخامس عشر من شعبان هي صفحة مشرقة من صفحات تاريخ العراق الحديث كتبت احرفها بدماء الشباب العراقي الذي قال "كلا للظلم وكلا
للطغاة" .