التوافقية والدستورية

آراء 2020/04/12
...

أ. د عامر حسن فياض

أفكار بين شقي الرحى
 
تعرف التوافقية بدلالة التقابل مع الدستورية، وهذا التقابل إما أن يكون تقابلا إيجابيا تفاعليا مع الدستورية، أو تقابلا سلبيا تعارضيا. في حالة التقابل الإيجابي التفاعلي بين الممارسة السياسية التوافقية والسياقات الدستورية، فإن الحضور للدستورية ينبغي ألاّ يغيب التوافقية، أما في حالة التقابل السلبي التعارضي بين الممارسة السياسية التوافقية والسياقات الدستورية، فإن الحضور للدستورية ينبغي أن يغيب التوافقية، 

بمعنى أوضح، فإن التوافقية التي تتعارض مع الدستورية ينبغي أن تكون غائبة دائما، لأن التوافقية وجدت كي لا تعرقل الدستورية، وبإمكان الدستورية أن تعرقل أو تتخطى أو تتجاوز التوافقية .باختصار، فإن كل بداية توافقية ينبغي أن تؤدي الى الدستورية، ولا يشترط أن تؤدي الدستورية الى 
التوافقية .
فمتى نحتاج الى التوافقية بهذا المعنى وليس غيره (أي بمعنى التقابل الإيجابي التفاعلي مع الدستورية )؟.
إن التوافقية التفاعلية الإيجابية ستكون مقبولة حين :
- لا تعرقل السياقات الدستورية وتنتهي 
اليها
- تسد الفراغ الدستوري أو العوز 
التشريعي 
- تتنازل جهة سياسية طوعا عن استحقاقاتها الدستورية الجهوية، لصالح الثوابت والاستحقاقات الدستورية 
الوطنية .
وغير ذلك فإن التوافقية تصبح تواقفية وليست توافقية من جهة، وتصبح تعارضية وليست تفاعلية من جهة أخرى، وتصبح سلبية وليست إيجابية من جهة ثالثة، وتصبح لا دستورية وليست دستورية من جهة 
رابعة .
وبقدر تعلق الأمر بالتدابير السياسية التوافقية التفاعلية التي حصلت في العراق، فإن العلامات الإيجابية المؤشرة تمثلت بالتوافقية الإيجابية في تنصيب رئيس مجلس النواب ونوابه، وكذلك في تنصيب رئيس الجمهورية، ونحن بانتظار علامة إيجابية أخرى لهذه التوافقية التفاعلية في تنصيب رئيس وأعضاء مجلس الوزراء، فكيف يمكن تلمس هذه العلامة 
الإيجابية؟.
إن التلويح المسبق من نائب لرفض أو وضع خط أحمر أو العزوف عن حضور جلسة لتسمية الكتلة النيابية الأكبر عدداً لمرشحها، لا يؤدي الى مثل هذه العلامة الإيجابية، وان عملية التنصيب لرئاسة مجلس الوزراء تعتمد ثلاث خطوات دستورية حددتها المادة 76 من الدستور، هي تسمية وتكليف ومنح ثقة، فالخطوة الأولى ( التسمية) من مسؤولية الكتلة النيابية الأكبر عدداً، والخطوة الثانية (التكليف) من مسؤولية رئيس الجمهورية، والخطوة الثالثة (منح الثقة) من مسؤولية أعضاء مجلس النواب .
في الخطوة الأولى (التسمية) لا ضير ولا ضرر من استحضار التوافقية بين أعضاء الكتلة النيابية الأكبر فقط، وفي الخطوة الثانية (التكليف)، فإن التوافقية بشكليها التفاعلي الإيجابي والتعارضي السلبي، لا تستحضر ولا تشتغل، بينما لا ضير ولا ضرر من استحضار التوافقية في الخطوة الثالثة (منح الثقة) بين الكتل النيابية جميعا، طالما أن الخطوات الثلاث تتم بالنهاية بما لا يتعارض مع السياقات التي حددتها المادة 76 من الدستور بهذا 
الشأن .
عندها لا داعي للتلويح  أو الإعلان المسبق من هذا النائب أو ذاك بالرفض أو وضع خطوط حمر أو صفر على هذا المسمى ثم المكلف أو ذاك، فالذي يريد منح الثقة أو عدمه له كل الحق، بيد أن هذا الحق ينبغي أن يستخدمه تحت قبة مجلس النواب لا خارجها، وفي الجلسة المخصصة لمنح الثقة لا قبلها ولا 
بعدها .
 نحن هنا لسنا بصدد توصيف الوجع، وتفسير الغضب، وتحليل ما حصل أو ما سيحصل، بل علينا الحرص على ما هو مطلوب إجرائياً، للتعامل الصحيح مع الوباءات التي عاشها ويعيشها عراق الأمس واليوم، والتي أصبحت وباءات رباعية، بعد أن كانت ثلاثية (إرهاب – فساد – محاصصة – كورونا)... ولعل البدء بالمطلوب إجرائياً يتمثل بتشكيل حكومة بشخوص أخرى ومهام أخرى، قادرة على الذهاب مع الشعب الى سلطة الشعب الحقة بانتخابات مبكرة... حكومة لا تخرج عن السياقات الدستورية من جهة، ولا تخرج عن مطالب الحراك الاحتجاجي الغاضب من جهة أخرى.