إعادة ترتيب العالم

آراء 2020/04/13
...

حسن جوان
 
في ما ينشغل معظم الجهد الإنساني بإداراته الحكومية ومؤسساته الصحية للمعالجات الراهنة في التصدي للجائحة العالمية، لاستنقاذ جوهر العملية الإقتصادية والسياسية وهو الإنسان بوصفه القوة المستهدفة المحركة لكلّ الفعاليات الإنسانية، وتخفت في الوقت ذاته لغة التلاسن وتبادل الاتهامات أو تأجيل ذلك في الوقت الراهن إلى مرحلة حرب ما بعد الحرب، بينما يحدث كل ذلك، يتوجه فريق مواز من الباحثين الاستراتيجيين نحو دراسة ما بعد كورونا وما ينجم من نتائج إحصائية يترتب عليها غالباً إعادة توزيع أو ترتيب العالم من جديد.
لا ينشغل هذا الفريق في البحث عن أسباب الجائحة ولا يقع في شانهم البحثي مسألة المحاسبة او إلقاء اللوم على أصل المشكلة أو قصور بعض الأنظمة الصحية في احتوائها ولا سوء الإدارات الحكومية في التعاطي معها، فكلّ ذلك سوف تستعر موضوعاته لاحقاً عبر مخاضات تتصادم على إثرها الشعوب مع حكوماتها والحكومات في ما بينها حتمياً. القضية هنا أنّ لدينا واقعاً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً يتفاعل الآن عبر سبب قسري جامع - كوني سوف تترتب على هذا التفاعل نتائج لن يعود واقع العالم بعده كما كان عليه في تلك الحقول الثلاثة.
وبما أن الاقتصاد هو المحرك الأقوى تأثيراً في حقلي الاجتماع والسياسة فغالب ما يتسلط عليه الضوء البحثي المستقبلي هو نوع من الخريطة الاقتصادية القادمة لعالم ما بعد الوباء. إعادة هندسة العالم القادم ستفضي إلى أنّ الدول التي تحركت صفائح أرضياتها بفعل الهزة الصحية بقوة ستكون مرشحة أقرب إلى تغيير موضعها من الخرائط القديمة، تلك الدول التي تكبدت خسائر بشرية ومادية أكثر ضرواة في مواجهة الفيروس وتعرضت إلى هزّات داخلية عظيمة أذهلتها عن أنساقها الاقتصادية والسياسية السابقة، وفككت ثقتها وارتباطاتها بشركائها التقليديين، ما أنتج تآكلاً في تلك الأنساق والعلاقات سيلقي بأثره في مختلف المناحي الفاعلة، التي لن يكون أولها تحجيم الاندماج العولمي لصالح الانكفاء الداخلي نحو ترصين المنظومات الصحية والاقتصادية والاجتماعية المخذولة من أصدقاء الأمس. وربّما سيجرّ التعاطي الشرقي المنضبط والحاسم مع الجائحة وسرعة احتوائها في النموذج الآسيوي مقابل انفلات الأمور في أوروبا وأميركا بشكل مروّع، ربّما سؤدي ذلك إلى انتقال الثقل الدولي نحو الشرق على اعتباره أنموذجاً أكثر نجاعة وإنقاذاً للمجتمعات رغم فرديته ومركزيته كنظام نقيض للنظام الرأسمالي اجتماعيا وسياسياً. بموازاة ذلك سوف تبرز أكثر من وقتنا الحاضر رأسمالية جديدة تنشط في مجال الاستثمار الألكتروني والعملة والمواد الطبية التي وجدت فرصة سانحة لتحقيق أرباح هائلة مكنتها من إفراغ مخازنها وبضائعها الصالحة وغير الصالحة في فترة قياسية تشبه لدى الشعوب بالكابوس في فيلم خيال علمي كتبه أحد المهووسيين بجائحة نووية أو فيروسية تلتهم العالم الأخضر واليابس وتغير قواعد الألعاب الإنسانية بكل أشكالها، ما يتيح إعادة ترتيب العالم والعلاقات بحسب مآلات الواقع الجديد.