نوزاد حسن
ربّما قبل دخولنا في نفق كورونا، كان العالم يظنُّ، والنّاس جميعا، بحكم ثقتهم بالمنجزات التقنية، أنّ سفينة الحياة تسير في بحر هادئ جدّاً لا يمكن لأيّة موجة أن تتلاعب به، وكانت مشكلات عالمنا قبل كورونا تختلف كلّيا عن مشكلاتنا وأوجاعنا بعد هذا الفيروس.
الشيء المؤكد أنّنا لم نكن نفكر، أبداً، بأنّنا سنتعرّض لهذه الأزمة الصحية العالمية.
كان الكثيرون خائفين من حرب قد تندلع بين أميركا وإيران مثلا، وقد سمعنا حتّى الملل عشرات المحللين السياسيين وهم يتحدثون بثقة الفيلسوف هيجل عن ذلك وعدم زجّ العراق بتلك الحرب. وفي أماكن العالم الأخرى كانت الحال شبيهة بما نفكر فيه؛ أزمات سياسية وحرب هناك وهناك. في الواقع كنّا في شغل سياسي خانق, وكلام يقال ويتكرر، وكنّا نسمعه على كره كما يقولون. فجأة، تعرضتْ سفينة حياتنا، بجميع ركّابها، إلى إعصار كبير، وها نحن نتعرض لضربات ذلك الإعصار ليتغير كلّ شيء، وبات الحديث الجدّي يتعلّق بالعالم في ما بعد كورونا، ألَا يشبه هذا الحديث تلك الجملة الشهيرة التي يستخدمها المثقفون كثيراً وهي عالم ما بعد الحداثة؟
منْ كان يصدق أنّ يوما سيأتي لنرى فيه ترامب يقف طويلا لا لمناقشة الشوون الدولية، ولكن لتقديم صورة عن فتك هذا الفيروس بالأميركان.
أسئلة كثيرة تطرح على ترامب في ظلّ أزمة مالية خانقة يبحث الجميع عن حل لها.
وهل كان أحد سيصدق أن ماكرون سيزور، في يوم ما، معملاً لإنتاج الكمامات لتوزيعها على الفرنسيين. الكمامة؟ ما معنى هذا؟ منْ يستطيع أن يدرك سرّ الحياة الغامض؟ لقد تراجع كلّ شيء إلى الوراء ليظهر لنا عالمٌ صغير جدا هو المحافظة على عدم التقاط العدوى. كيف؟ أنْ يبقى الإنسان في منزله، وأن يحذر حين يخرج لأيّ سبب كان.
ترى منْ كان يتوقع أن تتعرض أوروبا والصين لهذا الموت الجماعي, وبهذه الأعداد المخيفة؟
بلا شك لم يكن أحد يتوقع كلّ ما حصل. هناك شعور مزعج بهزيمة العقل والتقنية. أظن أنّنا نشعر بهذا الشيء, وننتظر اللحظة التي ننتقم بها من فيروس لا أحد يعرف هويته جيدا حتى. ولعلّ من المضحك أنّ العالم الغارق بحرب الهويات فوجئ بأنّه لا يعرف جيدا هوية فيروس كورونا.
النصائح الطبية حلّت محل وصايا تولستوي وبيل غيتس وايكهارت تول وكلّ الفلاسفة. الوحيد الذي يتكلم الآن هو الطبيب، ذلك الشخص الذي كنّا ننظر إليه بطريقة ميكانيكية كونه شخصا يكتب لنا الدواء لأنّه حفظ وتعلّم في كلّيّة الطبّ كلّ الأمراض مع علاجاتها.
لستُ أريد رسم صورة غير جدّية للعالم، لكنّنا هكذا كنّا نعيش ونفكر، فما انسحب من حياتنا حلّ محلّه شيء آخر. المعقمات والكفوف والكمامات، هذه القطع الصغيرة التي غطّت نصف وجوهنا رغما عنّا، إنّها إرادة فيروس بلا هوية، وعلينا أن نلبس الكمامة مع عدة النجاة الأخرى.
وهنا أود أن أشير إلى أن تحوّل هذه القطعة الصغيرة التي نسميها بالكمامة إلى رمز يدلُّ على انضباطنا وتمسّكنا بنصائح الطبّ، كما يعني أنّنا نريد الخلاص من عاصفة كورونا سريعا.