د. كريم شغيدل
ما أسرع تحول فيروس كوفيد-19 إلى وباء عالمي! تفشى بسرعة فاقت توقعات الأجهزة الطبية والحكومات والناس، بل أربك العالم بسبب عدم الاستعداد مقارنة بسرعته، وخلخل الموازين، فالجدار الذي شيّدته أميركا لمنع تسلل المكسيكيين استخدمته المكسيك لمنع الهجرة العكسية ضد الأميركان الهاربين من الوباء! يموت صوماليون لاجئون في أوروبا بينما يطمح أوروبيون بطلب اللجوء للصومال! العراقيون الذين كانوا يتطببون في إيران أصبحوا يتهربون من ملاقاة القادمين منها، بل إنّ العائدين من إيران أصبحوا مصدر شبهة لدى الأجهزة الصحية والناس. كوبا، الجزيرة المحاصرة من أميركا منذ ستينيات القرن المنصرم، تصبح محط أنظار العالم لامتلاكها الملاكات الطبية المتطورة بأعداد هائلة. الصين، مصدر الوباء، تنجز بسرعة البرق إجراءات وقائية لمحاصرته وإعلان السيطرة والقضاء عليه، بينما تعجز أميركا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها عن ذلك. العالم المادي يلجأ للروحانيات والأدعية والتعاويذ، والروحانيون ينبشون بطون الكتب القديمة عن رقى وأوراد وأعشاب مباركة وتنبؤات، بل إنّ بعض مواقع التواصل نشرت ما يشير إلى رفع الأذان وقراءة القرآن في بلدان مسيحية منعت سابقاً كلَّ مظاهر التديّن، وجماعات داعش عدّت الأمر انتقاماً، وأنّ الفيروسات جند الله يصيب بهم الكافرين ولا يصيب المؤمنين من أمثالهم، وتكهنات وأكاذيب ومفارقات
عديدة.
الحجْر الصحّي الذي أصبح دولياً وفَّر للمدن الكثير من الهدوء بدل الصخب، كما وفَّر للبيئة الكثير من النقاء، بعد أن كانت ملبدة بسحب الدخان، ومخلفات الاحتراق، حتى أشيع بأنَّ ثقب الأوزون الذي تسبب بظاهرة الاحتباس الحراري بدأ يلتئم تدريجياً، وقد يسهم ذلك بعودة المناخ العالمي إلى مرحلة ما قبل الصناعة، وربّما زاد ذلك من رغبة الإنسان في العودة إلى أحضان الطبيعة، وقد وقفت كل مختبرات العالم وتقنياته الرقمية وتجاربه من اكتشاف لقاح
مضاد.
النظم الرأسمالية التي كانت تفخر بنظام السوق بدأت تراجع حساباتها في ما يخص أنظمة الحماية الصحية والاجتماعية، إذ بان العجز على مؤسساتها بتحمل المسؤولية الكاملة عن الأمن الصحي لمختلف طبقات المجتمع، في حين نجحت النظم الشمولية بتقديم الخدمات لعموم السكان، الحياة لم تتوقف، لكنَّ عجلات الإنتاج توقفت وتحدّدت حركة البشرية وبات التنقل من بلد إلى آخر أمراً عسيراً، وكذلك التنقل بين المدن وداخلها في البلد الواحد، وتخلخلت اقتصاديات دول تعتمد على السياحة والتجارة بعد أن كانت مستويات نموها مضرب
الأمثال.
ليس في الحياة ثوابت، وهذا ما أثبتته مجريات الأحوال خلال هذه الجائحة التي سيطرت على العالم. كلُّ شيء قابل للتغير إلى عكس ما كان عليه، كلُّ شيء يسير باتجاه التغيير، وما تزال بعض دول الشرق الأوسط خارج التغطية، لا تمتلك أيّة استعدادات فسلمت شعوبها أمرها إلى الله، وفي العراق ما نزال ننتظر تشكيل الحكومة الجديدة التي نأمل أن تتاح لها الفرصة لاتخاذ ما يلزم في خضم المتغيرات
الكورونية.