عبد الحليم الرهيمي
واجه ويواجه العراق وشعبه، مثل معظم دول وشعوب العالم، أزمتين حادتين وضارتين الاولى انتشار وباء فيروس كورونا (covaid - 19) من مدينة يوهان الصينية الى غالبية دول العالم، أما الأزمة الضارة الثانية وان كانت تحمل جذور حصولها المتوقع دائماً، لكنها تولدت أخيراً من فعل وتأثير الازمة الاولى حيث تمثلت هذه الازمة بالهبوط الحاد والمفاجئ لاسعار النفط في السوق العالمية الى اقل من نصف سعرها المتداول خلال السنوات الماضية .لقد اسفرت ازمة جائحة كورونا عن اصابة نحو مليوني انسان ووفاة مئات الآلاف وحجر نحو ثلثي شعوب العالم بمنازلهم وتعطيل اعمال الملايين، والمساعي الدولية جارية على قدم وساق لاختراع لقاح لهذا الوباء الداهم.
أما الأزمة الضارة الثانية التي نجمت أو تولدت من الأولى فقد أسفرت ابتداءً عن اخلال مروع بقوت وحياة الملايين من الناس العاملين بشكل يومي او العمل الدائم في المؤسسات الحكومية والخاصة وصرفوا من اعمالهم اضافة، واساساً، من الاخلال الكبير في ميزانيات وثروات ومدخرات الدول وانعكاسات كل ذلك ايضاً على حياة الشعوب خاصة الطبقات الفقيرة
منها.
لقد جرى التعبير عن هاتين الازمتين الجادتين الضارتين بمختلف الصور والاشكال والهموم والمخاوف، وحتى الصراخ والالام الموجعة، لدى الطبقات الفقيرة والمعوزة لدى الشعوب والتي هي تعاني اساساً من الام واوجاع فقرها على الصعد المعاشية والصحية والتعليمية، ناهيك عن الترفيهية المنعدمة لديها اساساً ، وبذلك بدأ الحديث واطلاق التوقعات لآثار ما سيترتب على هاتين الازمتين الضارتين واهمها القول ان العالم سيتغير على مختلف الصعد ، وان عالم ما قبل كورونا (وهبوط اسعار النفط) هو غيره ما بعد كورونا وما تولد عنها الان ، وبينما يبدو التشاؤم والحيرة هما الطاغيتان الآن، لكن ثمة من يرى ان قدراً من التفاؤل بانحسار فعل واثر الازمتين، بينما بدا آخرون انهم اكثر تفاؤلاً بالقول إنَّ ثمة وجهاً آخر لهاتين الازمتين الضارتين بأن يكونا نافعتين ايضاً، اخذاً بالقول المأثور (رب ضارة نافعة) إذ يمكن أنْ يتجلى ذلك بتجاوز العالم والقيادات السياسية والمالية والتربوية
للدولة. وغيرها الاخطاء والخطايا في عملها وسياساتها التي ساعدت او ابدت عجزاً في المواجهة الاكثر فاعلية وصرامة لمضار
الازمتين.
وبطبيعة الحال، فإن العراق معني، كبقية دول العالم او اكثر حتى، في الاستفادة الكبيرة والحقيقية من الوجه الآخر (النافع) للازمتين عبر الشروع بالنقد لوضعنا الصحي والاقتصادي ابتداءً. فرغم ما أبداه الجهاز الصحي من اطباء وممرضين وعاملين في هذا المجال من جهود فضلاً عن الدور الفعال لوزير الصحة والوزارة لكن ذلك لن يغطي الخلل الكبير الذي كشفته الازمة، حيث لا مستشفيات ولا اجهزة طبية ضرورية متوفرة ولا مراكز صحيَّة، اي نظام صحي متهاو لا يرقى الى الحد الادنى لما حققه النظام الصحي في العهد الملكي وفي منتصف سبعينات القرن المنصرم، ويكفي ان نشير هنا الى ما كشفته الازمة من صرف 41 مليار دولار منذ العام 2003 حتى الان ، هدرها الفساد دون توفير الحد الادنى لنظام صحي مقبول ، والثاني ما كشفه وزير الصحة بأبعاده رئيس شركة استيراد الادوية (كيماديا) من موقعه (يطالب البعض باحالته الى النزاهة والتحقيق) ، وكان استشراء الفساد في هذه المؤسسة احد اسباب استقالة الوزير السابق عبد الصاحب العلوان من منصبه لعدم قدرته على وقف الفساد ، لذلك فأن (النافعة) من الازمة (الضارة) هو قيام وزارة الصحة بل الدولة اساساً البدء بمحاربة للفساد والفاسدين في الوزارة ومؤسساتها والسعي لبناء نظام صحي متطور.
أما تحويل (الضارة) الى (نافعة) على الصعيد الاقتصادي فتتجلى في الانتقال من الكلام المكرر على ضرورة الانتقال التدريجي باقتصاد العراق من الريعي الذي تعتمد ميزانية العراق على 95 بالمئة على النفط الى واقع عملي بانتهاج اقتصاد السوق الذي يبدأ بتأهيل الاربعين الف مصنع معطل منذ 2003 والبدء بتأهيل عشرة الاف منها خلال عام ثم الباقي في الاعوام التالية وهذا ليس سيوقف الهدر الواسع في الاستيراد وتوفير العملة الصعبة بل وحتى امكانية تصدير بعض السلع المنتجة محلياً، كذلك التطوير الجاد والواسع للزراعة والسياحة والتجارة ، فضلا عن المباشرة بتعديل اتفاقيات التبادل التجاري بين العراق والدول الاخرى بشكل صحيح وعادل وليس لمصلحة تلك الدول على حساب
العراق.
وعلى ذلك فان توفير البيئات الامنية والتشريعية والبنى التحتية المناسبة لتشجيع الاستثمار والمستثمرين العراقيين والاجانب يمثل حجر الزاوية في تطوير وازدهار الاقتصاد العراقي وانعكاساته الايجابية الكبيرة على التقدم العمراني للعراق والتحسن الكبير في الاوضاع والحياة المعيشية والصحية والتعليمية وحتى الترفيهية للعراقيين. وهكذا يمكن من خلال تلك الاجراءات تحويل وباء كورونا وهبوط اسعار النفط من ازمتين ضارتين الى ازمتين نافعتين، فيصح القول (رب ضارة
نافعة).