الديمقراطيَّة مهددة في أوروبا

بانوراما 2020/04/19
...

لندن/ بي بي سي
 
يواجه بعض زعماء أوروبا اتهامات باستغلال الأزمة الحالية المتعلقة بالصحة العامة لتضييق الخناق على المعارضة وتعزيز سلطاتهم. ففي الوقت الذي تعتقل تركيا المئات بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتعرض الروس لتهديدات بالسجن بسبب أي شيء تعتبره السلطات أخبارا كاذبة، هناك مخاوف من أن الديمقراطية مهددة في بولندا، وأنها تلاشت بالفعل في المجر.

سلطات استثنائية
يواجه رئيس وزراء المجر القوي فيكتور أوربان اتهامات في الداخل والخارج باستغلال أزمة فيروس كورونا للاستحواذ على المزيد من السلطة، بدلا من توحيد البلاد.
ففي البداية، أعلنت حكومته حالة الخطر في 11 آذار، وكسبت وقتا ثمينا للاستعداد للوباء. لكنها استخدمت بعد ذلك أغلبيتها البرلمانية لتمديد ذلك إلى أجل غير مسمى، وبالتالي فإن الحكومة لديها الآن سلطة الحكم بمقتضى مرسوم يفوضها بذلك طالما كان الأمر ضروريا. والحكومة هي التي تقرر بنفسها متى تنتهي حالة الخطر.
ويتحدث منتقدون عن نهاية الديمقراطية في المجر، لكن وزير العدل يصر على أن «قانون التفويض» سينتهي مع نهاية حالة الطوارئ، وأنه كان ضروريا ومتناسبا.
الأستاذ الجامعي الخبير بالقانون الدستوري زولتان سزينتي يحذر من أن الوباء يمكن استغلاله بسهولة للحفاظ على سلطات استثنائية للحكومة.
ويقول إنه بمنح الحكومة سلطة حصرية لتحديد موعد انتهاء حالة الخطر، فإن البرلمان يكون قد «انتحر» بالفعل بالتنازل عن حقه في السيطرة على الحكومة.
ويتمتع حزب «فيدس»، الذي يتزعمه أوربان، بأغلبية حاسمة في البرلمان، وقد تم تأجيل جميع الانتخابات الفرعية والاستفتاءات حتى نهاية حالة الطوارئ.
 
«الفرصة مواتية» لأردوغان
لا يحتاج زعيم تركيا المتأهب، رجب طيب أردوغان، لاستغلال تفشي فيروس كورونا للاستحواذ على السلطة، لأنَّ لديه القدر الوافر منها بالفعل. هذا هو رأي نشطاء حقوق الإنسان هنا.
تقول إيما سنكلير ويب، مديرة قسم تركيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان: «في مثل هذا النظام المركزي ليست هناك حاجة للاستيلاء على المزيد من السلطة».
ومع ذلك، تقول إنه كانت هناك محاولة انتهازية لـ»استكشاف رد الفعل»، وذلك بطرح مقترحات بزيادة الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد «دُفنت في أعماق» مشروع قانون يتناول أساسا التدابير الاقتصادية لتخفيف تأثير انتشار الفيروس.
وتقول إن الهدف كان «إخضاع منصات وسائل التواصل الاجتماعي بقوة لسيطرة الحكومة والرقابة». وقد أُسقطت مسودة التعديلات فجأة، ولكن سنكلير ويب تتوقع عودتها في المستقبل.
والحكومة التركية مصممة على فرض سيطرتها على ما يروى خلال الأزمة. وقد تم اعتقال المئات بسبب «منشورات استفزازية» حول كوفيد 19 على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم يجرؤ سوى عدد قليل من الأطباء على التحدث بصراحة. يقول علي سركيزوغلو من نقابة الأطباء التركية: «للأسف صار إخفاء الحقائق والاحتكار الطريقة التي يتم بها حكم هذا البلد. لقد اعتاد الأطباء والممرضون والعاملون الصحيون على ذلك في السنوات العشرين الماضية».
 
طموحات بوتين
في كانون الثاني الماضي، كان الكرملين يعتقد أن كل شيء على ما يرام.
فقد كان يعتزم إعادة صياغة الدستور، للسماح في المقام الأول للرئيس فلاديمير بوتين بالاستمرار لفترتين أخريين في منصبه، ثم إجراء «تصويت وطني» احتفالي في 22 نيسان يدعم فيه الروس التغييرات. ووصف منتقدو الرئيس ذلك بأنه «انقلاب دستوري». لكن بدا أن الأمر حُسم بالفعل.
غير أن «كوفيد – 19» علق كل شيء. فقد اضطر الرئيس بوتين إلى تأجيل الاقتراع. فكيف يمكنك أن تدعو الناس إلى الخروج والتصويت في خضم وباء؟ ومشكلة الكرملين الآن هي هل سيجرى الاقتراع ومتى، ذلك أن إقرار دستور جديد قد يكون آخر أمر في أذهان الروس.
ويبدو أنَّ الإغلاق الناجم عن انتشار فيروس كورونا بصدد ضرب الاقتصاد هنا، مع توقعات بركود يدوم عامين وفقدان الملايين من الوظائف.
وفي مشكلاتهم اليوميَّة، يميل الروس إلى إلقاء اللوم على المسؤولين والبيروقراطيين المحليين، وليس السلطة المركزية. ولكن التاريخ يبين أنه عندما يعاني الناس هنا من آلام اقتصادية شخصية حادة، فإنهم يتوجهون بأنظارهم إلى زعيم البلاد. ويبدو أنَّ مثل هذا الألم لا مفر منه الآن.
وربما يفسر هذا لماذا فوّض زعيم الكرملين مؤخرا حكام الأقاليم لمكافحة فيروس كورونا، فهم الآن يتشاركون المسؤولية.
وسوف يجادل أنصار الرئيس بوتين، بما في ذلك وسائل الإعلام الحكومية، بأنه في أي أزمة وطنية تحتاج روسيا إلى قيادة قوية ومستقرة أكثر من أي وقت مضى، وبقول آخر: ضرورة تمديد عهد بوتين. أما بالنسبة لمنتقدي الكرملين، فقد اتهموا بالفعل السلطات باستخدام الوباء لإحكام قبضتها.
 
بولندا تخاطر بالأرواح
يواجه الحزب الحاكم في بولندا اتهامات بتعريض الأرواح للخطر على نحو متهور، وذلك من خلال المضي قدما خلال هذا الوباء بالاستعداد لانتخابات الرئاسة المقررة في أيار المقبل. وشهدت أسهم الرئيس أندريه دودا، حليف الحكومة، ارتفاعا في استطلاعات الرأي خلال الوباء، فهو المرشح الأوفر حظا للفوز.
ويقول حزب القانون والعدالة الحاكم إنه ملزم دستوريا بإجراء الانتخابات، مشيرا إلى أن التصويت البريدي فقط هو الحل الآمن في ظل الإغلاق.
وهذا هو الخيار المفضل للحزب الحاكم الذي يؤيد أيضاً اقتراحا بتغيير الدستور للتمديد للرئيس دودا لسنتين أخريين، طالما أنه لا يستطيع السعي لإعادة الترشح.
وتقول المعارضة إن التصويت البريدي يعرض الناخبين والعاملين في البريد وموظفي الانتخابات للخطر. كما أثار الاتحاد الأوروبي واللجنة الانتخابية البولندية مخاوف بشأن إجراء الانتخابات.
وتصر المعارضة على وجود طريقة قانونية للتأجيل، وذلك بإعلان حالة كوارث طبيعية، والتي تحظر عقد انتخابات أثناء سريان إجراءات استثنائية، ولمدة 90 يوما بعد ذلك. وتقول الحكومة إن الإعلان عن تدابير استثنائية سيجعلها مسؤولة عن مطالبات بتعويضات.
وإذا ما جرت الانتخابات في أيار، فإنها لن تكون نزيهة، بحسب جماعات ناشطة في مجال حقوق الإنسان، لأن المرشحين أوقفوا الحملات الانتخابية في حين لا يزال شاغل الوظيفة يتمتع بتغطية إعلاميَّة واسعة النطاق خلال مساعدته الحكومة وزياراته للعاملين في مجال الرعاية الصحيَّة.