الدول التي تقودها نساء ناجحة في مواجهة {كورونا}

بانوراما 2020/04/28
...

لندن/ بي بي سي
نيوزيلندا وألمانيا وتايوان والنرويج دول تقودها نساء، وسجلت فيها وفيات، جراء فيروس (كوفيد - 19)، أقل نسبيا من باقي الدول.
أشادت وسائل الإعلام بهؤلاء السياسيات وبمواقفهن، وبالإجراءات التي اتخذنها لمواجهة الأزمة الصحية العالمية.
أمثلة يحتذى بها
واعتبرتهن مجلة فوربس، في مقال نشر مؤخرا، "أمثلة يحتذى بها في القيادة الحقيقية".
وأشار كتّاب رأي إلى أن معظم القادة الذين اجتازوا اختبار (كوفيد - 19) بنجاح هم من النساء على نحو واضح، رغم أن النساء يشكلن 7 بالمئة فقط من قادة العالم.
إذا، ما الذي يجعل النساء أكثر نجاحا، على ما يبدو، في محاربة وباء فيروس كورونا؟
 
استجابة مبكرة
أطلقت رئيسة وزراء أيسلندا، كاترين ياكوبسدوتير، حملة واسعة النطاق لإجراء اختبارات للكشف عن وجود الفيروس. ورغم أن عدد سكان البلد هو قرابة 360,000، لم تكتف أيسلندا بالانتظار، بل اتخذت إجراءات للحد من انتشار (كوفيد - 19)، مثل منع التجمعات التي تزيد عن 20 شخصاً، وذلك منذ نهاية شهر كانون الثاني، أي قبل تسجيل أول إصابة بالمرض.
وفي 20 نيسان توفي في ايسلندا 9 أشخاص بسبب الوباء.
وفي تايوان، التي تعدُّ رسميا جزءا من الصين، أسست الرئيسة، تساي إنغ ون، على نحو فوري مركزا للسيطرة على الوباء واتخذت إجراءات لاحتواء وتعقب حالات العدوى بالفيروس.
كما سرّعت إنتاج وسائل الحماية الشخصية مثل أقنعة الوجه.
في هذه الأثناء، اتخذت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، واحدا من أكثر المواقف صعوبة في العالم لمواجهة (كوفيد - 19)، فبدلا من سياسة "تثبيت معدل الإصابة"، والذي أصبح هدف كثير من الدول، اتبعت أرديرن نهجا يهدف لوقف حالات العدوى.
ففرضت إجراءات الإغلاق عندما وصل عدد الوفيات إلى ست حالات فقط، وفي 20 نيسان كان عدد الوفيات 12 شخصا.
لكن ليس وجود القادة النساء هو القاسم المشترك الوحيد بين هذه الدول التي استجابت على نحو جيد للأزمة، بل هناك عوامل أخرى:
تتمتع كل هذه الدول باقتصادات متطورة وأنظمة تضمن رفاهية المواطنين، كما أنها سجلت أعلى معدلات في مؤشر التطور الاجتماعي. يضاف إلى ذلك أنها تمتلك أنظمة رعاية صحية جيدة قادرة على التأقلم مع حالات الطوارئ.
إذا، هل يعود ذلك إلى القادة أنفسهم، أم يعود إلى قرار البلد اختيار امرأة لقيادته.
 
"السبب في التنوع"
يري متابعون أن هناك دورا للكيفية التي اختارتها كل من هؤلاء النساء تحديد سياسة البلاد.
تقول د. غيتا راو غوبتا، التي تعمل مديرة لأحد برامج الأمم المتحدة المتعلقة بالنساء: "لا أعتقد أن هناك أسلوب قيادة خاصا بالنساء ومختلفا عن أسلوب الرجال. لكن عندما تمثل النساء في مناصب قيادية فإنهن يضفين تنوعا على عملية صنع القرار".
وتضيف: "يؤدي ذلك إلى التوصل لقرارات أفضل لأنك بذلك تستمع إلى رؤى الرجال والنساء. 
وهذا مختلف عن الأسلوب الذي يتبعه الرجال القادة مثل استعراض العضلات وإنكار الحقائق العلمية، مثل أسلوب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو".
كما تقول روزي كامبل، مديرة المركز العالمي للقيادة النسائية في جامعة لندن كوليدج: "ليس هناك أساليب قيادة خاصة بالنساء وأخرى خاصة بالرجال. ولكن وفقا لما بات معتادا اجتماعيا، من المقبول أكثر أن تكون النساء قادة أكثر تعاطفا وتعاونا. وللأسف هناك رجال أكثر وقعوا في دائرة النرجسية والتنافسية الزائدة".
وتعتقد أن هذه الميول في القيادات الذكورية "تفاقمت بسبب دخول الشعبويين إلى ميدان العمل السياسي".
 
السياسة "الذكورية"
وتشرح الخبيرة لبي بي سي أن القادة الشعبويين يعتمدون على "رسائل مبسطة" للحصول على الدعم، وهذا غالبا ما أثر في نهجهم في إدارة أزمة الوباء.
كثيراً ما اغتنم القادة السياسيون في كل من أميركا والبرازيل والمجر، وغيرها من الدول، الفرص للتهرب من تحمل المسؤولية واللوم الموجه لهم عبر ربط الأزمة بعوامل خارجية، مثل اتهام أجانب "بجلب المرض" إلى بلادهم.
وتشرح البروفسورة كامبل: "اختار كل من ترامب وبولسونارو تقمص شخصية ذكورية جدا. وهذه الشخصية من اختيارهما. وغالبا لا نجد نساء ضمن صفوف أحزاب اليمين المتطرف الشعبوي، طبعا مع وجود استثناءات واضحة مثل حالة ماري لو بان في فرنسا".
بالطبع كانت الاستجابة لأزمة (كوفيد - 19) متباينة، وكان أحد أسباب ذلك الواقع الاجتماعي والاقتصادي لكل بلد، فضلاً عن الموارد المتاحة، وقد لا يكون للجندر أي دور في هذا الشأن.
لذلك ففي البلاد التي يديرها القادة الرجال الذين لم يقعوا ضمن الصورة النمطية التي وصفتها البروفسورة كامبل، سجلت وفيات بنسبة أقل من دول أخرى.
ففي كوريا الجنوبية، عزز تعامل الرئيس، مون جاي إن، مع الأزمة من النصر الذي أحرزه حزبه في آخر انتخابات نيابية عقدت في منتصف 
نيسان.
كما حظي رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، بالثناء لنجاحه في إدارة الأزمة والإبقاء على معدلات الوفيات منخفضة نسبيا. إذ توفي 114 شخصا في البلد حتى يوم 20 نيسان علما أن أن عدد سكان اليونان يبلغ 11 مليونا.
وبالمقارنة مع إيطاليا، توفي قرابة 27 ألف شخص في البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 60 مليونا.
تتجاوز اليونان هذه الأزمة من خلال إعطاء الأولوية للمشورة العلمية واتخاذ إجراءات الابتعاد الاجتماعي قبل تسجيل أية حالة وفاة.
ولكنَّ هناك أيضا دولاً تقودها نساء لكنها تعاني من تفشي الفيروس على نحو واسع.
فمثلا نجحت رئيسة وزراء بنغلادش، شيخة حسينة واجد، في احتواء المرض رغم أن بلدها واحد من أكثر البلاد كثافة سكانيا. ولكن هناك مخاوف حول قدرة البلد المحدودة فيما يتعلق بإجراء الاختبارات. كما يقول عمال الصحة في بنغلادش إنهم في خطر متزايد بسبب نقص وسائل الحماية الشخصية.
 
قرارات صعبة
من أجل الحد من انتشار فيروس (كوفيد - 19)، كان على القادة اتخاذ قرارات صعبة، مثل وقف الأنشطة الاقتصادية في المراحل الأولى من الوباء.
وتقول البروفسورة كامبل: "لمثل هذه القرارات ثمن سياسي كبير على المدى القصير وهذا عكس ما يطمح إليه القادة الشعبويون".
وحظيت قيادات نسائية بدعم الرأي العام من خلال الحديث العلني والشفاف حول التحديات التي تواجهها البلاد.
واعتبرت المستشارة الالمانية، أنغيلا ميركل، فيروس (كوفيد - 19) تهديداً "جدياً للغاية" مبكراً.
وأطلقت ألمانيا أكبر برنامج اختبارات وتتبع وعزل في أوروبا. توفي أكثر من 5700 شخص في ألمانيا جراء الفيروس، علما أن عدد سكان البلد هو 83 مليون نسمة.
كما أن النهج الذي اتبعته رئيستا الوزراء في كل من النرويج والدنمارك، ميزهما عن نظرائهما الرجال الأكثر تفاؤلا بخصوص الأزمة الراهنة.
عقدت كل من رئيسة وزراء النرويج، إرنا سولبرغ، ونظيرتها الدنماركية، مته فريدريكسن، مؤتمرات صحفية للأطفال لم يسمح للبالغين حضورها او المشاركة.
كما حاولت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، أن تبدد مخاوف الأطفال بشأن عدم الاحتفال بعيد الفصح، الذي صادف هذا الشهر، بسبب إجراءات الإغلاق.
وقالت لهم إن أرنب الفصح "عنصر أساسي" وسيسمح له بإيصال بيض الشوكولاتة مباشرة إلى بيوتهم.
تقول البروفسورة كامبل: "كان من الممكن في الماضي أن يكون الحديث عن أرنب الفصح مدعاة سخرية إن تحدث عنه زعيم بلد، ولكن وجود نساء أكثر في ميدان السياسة جعلنا نفكر في تأثير السياسة على الأطفال".
هناك أمور كانت تعتبر "مسائل خاصة" في الماضي، مثل موضوع العنف الأسري ورعاية الأطفال. ولكن، من خلال التعامل مباشرة مع أصغر المواطنين، يعترف القادة السياسيون بأن هذا الوباء العالمي له تأثير على السلامة العقلية للجميع، كما توضح البروفسورة.
 
"قرارات أفضل"
تبلغ نسبة النساء في قطاع الرعاية الصحية 70 بالمئة، في حين كان من بين الرؤساء الـ 153 المنتخبين، عشر نساء فقط في عام 2018.
كما أن ربع البرلمانيين في العالم فقط في العالم هم من النساء.
تدعو د. بوجا إلى تعيين المزيج من النساء في مناصب قيادية، قائلة بأن ذلك سيطور عملية صنع القرار.
وتقول: "سنحصل حينها على قرارات مناسبة لكل فئات المجتمع وليس فقط لبعض الفئات".
كما تحذر من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لفيروس (كوفيد - 19) على كل من النساء والرجال: العنف المنزلي في تصاعد، وخطر الفقر في تصاعد ويهدد المكتسبات التي حصلت عليها النساء في مجال الأجر المتساوي.
"نحن نتراجع. وما لم تتم الاستجابة للعوامل المختلفة للوباء فستتفاقم المشكلات الحالية".