بغداد/ سرور العلي
قبل ثلاثة أعوام تعرضت مها جاسم البالغة (14) عاما إلى تشوهات في وجهها ويديها نتيجة حريق نشب في منزل جدتها، مما سبب لها الإحراج والانعزال وتعرضها لسخرية الآخرين، تقول جاسم بألم واستياء:"التنمر يلاحقني أينما ذهبت في الشارع وفي المدرسة وفي المناسبات، وعلى الرغم من أن هذا التشوه هو قضاء وقدر وليس لي يد فيه، اذ لا يتفهم الآخرون ما أعانيه بل يطلقون باستمرار الألقاب البشعة والمضحكة على مظهري".
المرشد النفسي
"يؤثر التنمر في الصحة النفسية للطفل فيسبب له الكآبة والعزلة وقلة النوم وفقدان الشهية للطعام، والتغيب عن المدرسة، وسرعة الغضب وتدني مستواه الدراسي" وفقا للاخصائية النفسية أسراء منذر، وتابعت"يتعرض معظم الأطفال للتنمر في المدرسة والشارع وحتى في أحيان يكون التنمر من أحد أقربائهم من دون علم أهاليهم، ويعمد الأطفال المتنمرين إلى أساليب وأنواع من التنمر، كالتنمر الجسدي بضرب غيرهم وإصابتهم بكدمات وجروح، والتنمر الاجتماعي عن طريق إحراج الطفل بين رفاقه وتشويه سمعته عمدا وتجنب الاختلاط به، والتحريض على الابتعاد عنه، بينما يتضمن التنمر اللفظي السخرية بألفاظ مهينة وخادشة"
واستدركت، منذر"أغلب الأشخاص الذين لديهم مشاكل في التعامل مع زملائهم في العمل ويفضلون الوحدة والتباعد أو سرعة الغضب، يكونون قد تعرضوا للتنمر في طفولتهم".
ونصحت"لمعالجة وإنقاذ الطفل من ظاهرة التنمر فعلى الوالدين التقرب من أطفالهم، واكتشاف مشكلاتهم بوقت مبكر قبل الإصابة بأزمة نفسية وزرع الثقة لديهم والانتباه لسلوكهم، ووضع الطفل داخل مجموعة لأن المتنمر يستهدف المنعزلين، وأخبار أدارة المدرسة بكل ما يتعرض له، وأن تتبنى المدرسة برنامجا يكافح التنمر، وتفعيل دور المرشد الاجتماعي والنفسي".
مدرسة خاصة
واكد الأخصائي النفسي أحمد حسين:"غالبا ما يكون الأطفال المتنمرون هم من تعرضوا للعنف الجسدي من قبل أسرهم أو أحد رفاقهم ومعاناتهم من التفكك الأسري وفقدانهم للأمان، وأحيانا يكون سلوك المتنمر ناتجا عن أعاقة ذهنية أو مرضية مما يدفع بأسرته لوضعه في مدرسة خاصة"
وأضاف " للأسرة دوركبير في خلق طفل متنمر وعدائي بتربيتها الخاطئة وزرع فكرة بأنه الأقوى بين أقرانه، وعدم معاقبته بعد كل سلوك عدواني قام به".
وتابع"ولمعالجة ظاهرة التنمر لدى الطفل يجب على الأسرة أبعاده عن الألعاب والأشياء التي يحبها وإرجاعها إليه بعد توقفه عن التنمر، وتعليم الطفل أن لا يسخر من الآخرين لمجرد اختلافهم عنه في المظهر أو الدين أو اللهجة، كما أن الوالدين يمكن إن يكونا قدوة
لأطفالهم"
وشدد حسين"على ضرورة أبعاد الطفل عن الألعاب وأفلام العنف التي يمارسها الطفل لاحقا على أقرانه ويعدها متعة وقضاء وقت، وابتعاد الوالدين عن تعنيف أطفالهم أو قسوة الزوج على زوجته أمام طفله، وعلى الوالدين أن يكونا ملجأ لأطفالهم لأخبارهم بكل ما يتعرضون له، وأتباع الحوار المرن معهم وكسر حاجز الخوف لديهم، وتعليمهم تجاهل المتنمرين وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وإصلاح سلوكهم بتعليمهم ضبط المشاعر، وتقديم الاعتذار لضحايا التنمر وحثهم على التعاطف والمعاملة الحسنة، وأبعادهم عن الرفاق الذين يشجعونهم للاعتداء على غيرهم، ويتجنب الطفل الإفصاح عما يتعرض له خوفا من تعامل الأهل"
ويوضح"هناك أشخاص أكثر عرضة للتنمر وهم أصحاب الإعاقة، والذين يختلفون في الشكل والوزن واللهجة واللبس، وهناك المتفوقون والخجولون، وسريعو البكاء والانطوائيون".
مواقع التواصل الاجتماعي
تقول الشابة زهراء محمد:"لعبت مواقع التواصل الاجتماعي في ازدياد حالات التنمر بالترويج للإشاعات والردود السلبية على الفيديوهات والصور مما يسبب للأشخاص القلق وفقدانهم لثقتهم".
ويرى الشاب عمار الجنابي:" ان بعض الآباء يشجعون أطفالهم على استخدام العنف مع أطفال آخرين للسيطرة عليهم وجعلهم تحت سلطتهم، ولا يدركون بأنهم ينمون لديهم سلوك التنمر الذي يلازمهم عندما يتقدمون في السن، ويسبب لهم معاناة كثيرة في حياتهم".
وقالت فاطمة بكر (مرشدة اجتماعية)،:"يهمل معظم الأهالي أطفالهم، وينشغلون عنهم بأعمالهم، مما يسبب بتنمية سلوك خاطئ لدى الطفل للفت الانتباه وللحصول على الاهتمام، ويدفع الطفل للتعدي على الآخر وسلب ما يملكه أو الإساءة اللفظية له، والغيرة لدى رؤيته لشيء يعجز عن امتلاكه وفقدانه لحب الخير". وتابعت"يسهم التدليل المفرط للطفل على عدم اهتمامه بمشاعر غيره إذ اعتاد الحصول على كل ما يرغب به، ويتصرف حسب ما يحلو له، وتؤكد الدراسات أن الشخص المتنمر يصبح في المستقبل منحرفا أو ممن يدمن الكحول وتعاطي المخدرات ولديه تفكير متكرر بالانتحار، والقيام بمختلف
الجرائم".