الاحتكاك المدروس في المياه الخليجية

قضايا عربية ودولية 2020/05/04
...

صالح الشيخ خلف
 
اثار الاحتكاك الذي حصل بين القطع البحرية الامريكية والايرانية في المياه الخليجية الاسبوع الماضي العديد من الاسئلة على صعيد ادارة الخلافات بين البلدين ، خصوصا انه تزامن مع اطلاق ايران لاول مرة قمرا صناعيا يستخدم للاغراض العسكرية ، في الوقت الذي تعمل فيه ايران على ازالة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الادارة الامريكية . 
وكعادة مثل هذه الحوادث تبرز روايتان ، احداهما يتبناها الجانب الامريكي والاخرى يتبناها الجانب الايراني لكن ما سمعناه من الجانبين هو عدم رغبتهما في تصعيد المواجهة . ما اثار الموقف وصعد من حدته هذه المرة هي الاوامر التي اصدرها الرئيس الامريكي دونالد ترامب للبحرية الامريكية لمهاجمة القوارب الايرانية التي تهاجم او تضايق القطع الامريكية . الرواية الايرانية قالت ان احتكاكاً حصل بين القوارب الايرانية التابعة للحرس الثوري مع قطعة بحرية امريكية تحمل الرقم « سي جي 72 » حاولت مضايقة السفينة الايرانية « شهيد سياوشي » في المياه المواجهة لمنطقة عسلوية الايرانية على بعد 30 ميلا من المنصات الايرانية ، واصفة سلوك القطعة الامريكية « بغير مهني » ولاينسجم مع القوانين الدولية وبرتوكولات الملاحة الدولية .  بعد الاعلان عن اوامر الرئيس ترامب ، زار قائد الحرس الثوري الايراني حسين سلامي منطقة « نازعات » التي تتشكل من بعض الجزر وسط المياه الخليجية التي تتمركز فيها وحدات من الحرس الثوري ومنصات صواريخ معلنا اصدار الاوامر بالرد السريع على اي تهديد يلاحق المصالح الايرانية في البحر والبر والجو . واذا كان الرد الايراني سريعا لدعم مهمة القوات المتواجدة في المنطقة ، الا ان التهديد الامريكي يهدف بشكل واضح الى حدوث او افتعال احتكاك مباشر بين البحريتين الامريكية والايرانية حتى ولو كان محدودا من اجل تحقيق رسالتين . الاولى نقل الانظار من الداخل الامريكي المتذمر من سياسة الرئيس ترامب بشان الية معالجته لاحداث « فيروس كورونا » خصوصا في ولاية نيويورك ، والثانية ايجاد ذريعة لتعديل اسعار النفط المنهارة في السوق العالمية خدمة للواقع الامريكي النفطي ، اضافة الى خدمة اقتصاديات الدول الحليفة للولايات المتحدة المتاثرة بانخفاض اسعار النفط . 
الايرانيون وان كانوا مهتمين باسعار النفط شانهم شان بقية الدول المصدرة للنفط لكنهم لايريدون اعطاء اية ذريعة للادارة الامريكية التي تتلاعب باقتصاديات دول المنطقة بما يحقق مصالحها على حساب الدول المصدرة للنفط ،اضافة الى ان طهران لاتريد ان ترضخ لمعادلات الولايات المتحدة في التوقيت او الحجم ، كما انها لاترغب في الخضوع للمقاسات الامريكية ، ولذلك فهي تصوغ حساباتها وفق مصالحها ومصالح الامن والاستقرار في المنطقة من دون ان تنسى الاهداف الامريكية . بمعنى انها لاتدخل في مغامرات محسوبة النتائج عند الجانب الامريكي . اطلاق القمر الصناعي « نور 1 » العسكري من قبل الحرس الثوري الايراني في مثل هذه التطورات كان رسالة واضحة للادارة الامريكية التي تحاول القفز على مشكلاتها الداخلية خصوصا ان العديد من المراقبين يعتقدون ان الوضع الاقتصادي الامريكي يدفع بـجهات داخل الولايات المتحدة للتفكير بافتعال ازمة ، او حرب خارج الحدود الامريكية لمعالجة المشكلات التي يتعرض لها الاقتصاد الامريكي والذي اجبر الادارة الامريكية على طبع العملة الامريكية من دون غطاء مالي . الايرانيون الذين ينتهجون سياسة « الردع الدفاعي » منذ فترة غير قصيرة حذروا الجانب الامريكي من مغبة اي مغامرة قد تفكر بها مع ايران في مثل هذه الظروف ، وانها ليست « الحديقة الخلفية » التي تستطيع القوات الامريكية ان تلعب بها متى ما ارادت ذلك . ويبدو ان الرئيس الامريكي الذي يؤمن الى حد كبير بمقاييس الربح والخسارة في العمليات التجارية تسلم الرسالة الايرانية وتيقن ان لعبة « تدوير الرؤية » لايمكن لها ان تكون من دون مقابل . وفي ظل هذه التطورات اجرى الرئيس الايراني حسن روحاني لقاءات هاتفية مع رؤساء وزعماء الدول الاقليمية كامير قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني ، وامير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح ، وسلطان عمان هيثم بن طارق،  اضافة الى الرئيس التركي رجب طيب اردغان ، والروسي فلاديمير بوتين ، حثهم فيها على ضرورة اتخاذ موقف واضح وشفاف من العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على ايران ، خصوصا بعد بدء العمل بالألية الاوروبية التجارية « اينستكس » وعزم الجانب الاوربي تنفيذ العملية الثانية في اطار هذه الالية وهذا مايخدم حدوث شرخ في جدار العقوبات الامريكية المرشحة للانهيار في مرحلة « مابعد كورونا » .  ويعتقد الكثير من خبراء المال والاقتصاد ، وخبراء ادارة الازمات ان مرحلة « مابعد كورونا » ستمهد الى حد بعيدالى تصدع جدار هذه العقوبات خصوصا في ظل المواجهة المحتملة بين الولايات المتحدة والصين ، والتقدم الحاصل في العلاقات الاقتصادية بين الصين وايران من ناحية والحاجة الى التعامل الاقتصادي بين ايران وبعض الدول الاوربية كايطاليا واسبانيا والبرتغال واليونان من ناحية اخرى .