أشياؤنا القديمة.. اكتناز قهري

بانوراما 2020/05/05
...

ميادة سفر
 
أتاح لي الحجر المنزلي الذي فرض علينا بسبب «فيروس كورونا» وقتاً لإعادة ترتيب بعض الأدراج والملفات ورفوف المكتبة، وكم كانت مفاجأتي وجود أشياء مرّ عليها زمن طويل، بعضها من أيام الطفولة «ثوب كانت قد خاطته لي أمي»، وقلم حبر كنت كتبت به آخر مادة قدمتها في كلية الحقوق.
دفعتني تلك الأشياء للتفكير عن الأسباب التي دعتني للاحتفاظ بها، مع علمي أنني لست الوحيدة بهذه العادة، فلدى أغلبيَّة الأشخاص رغبات مختلفة تحولت لدى البعض إلى هوايات في تجميع الأشياء القديمة «الأنتيكة» أو الطوابع، أو قصاصات ورقيَّة تعودُ إلى أيام الدراسة، وحتى كما حصل معي قطعة ملابس تحمل ذكرى ما.
إنَّ الأمر يبدو طبيعياً، لا سيما لدى الأشخاص الذين يعانون من فرط في العواطف والرغبة في الاحتفاظ كما يقال «برائحة الأحباب»، تتحول معه تلك الأشياء إلى ذات قيمة معنوية ولو كانت بنظر الآخرين أشياءً تافهة لا معنى لها.
في حالات أخرى تكون تلك العادة نوعاً من الاقتصاد على مبدأ «إعادة تدوير»، ألم تكن أمهاتنا تحتفظ ببقايا أقمشة أو ملابس قديمة، وعند السؤال يكون الجواب «إنها تلزم يوماً ما»، لنتفاجأ بعد أيام بإعادة تدويرها لتصبح ستائر للأثاث أو أرائك وغيرها من أشغال كن يقمن بها، علماً أنّ هذا الأمر لا علاقة له بالأوضاع المادية، فتلك العادة نجدها لدى مختلف الطبقات.
إلى هنا يبدو الأمر طبيعياً ومقبولاً، طالما اقتصر على أشياء صغيرة الحجم لا تأخذ حيزاً كبيراً من المكان، لكن الأمور تتعقد وتتحول مع الوقت إلى مشكلة عندما يضيق البيت على سكانه و»كراكيبه»، فتصبح مسألة التخلص منها أمراً محتوماً لا بدّ منه، وفي هذه النقطة بالتحديد تبدأ عملية إقناع الشخص واقتناعه بضرورة القيام بهذا العمل.
تلعب العواطف والأحاسيس بالآخر الذي لم يعد موجوداً دوراً جوهرياً في ما يتعلق بالاحتفاظ بالأشياء القديمة، وكأننا أمام رغبة مكنونة لإبقاء تلك الذكريات حية، فهو حنين إلى زمن مضى وتوق إلى استعادته، وربما إلى عدم استعادته، لأننا في أحيانٍ نحتفظ بذكريات حزينة، فكم من عاشقة أو عاشق احتفظ مثلاً بالمنديل الورقي الذي كان يحمله في آخر لقاء جمعه من محبوبه، وغيرها أمثلة كثيرة تشي بفرط عاطفي ربما، وتجدر الإشارة أنّ هذه العادات موجودة لدى مختلف الشعوب في العالم وتتفاوت من شخص إلى آخر، حتى إنها تتحول لدى البعض إلى مرض نفسي أطلق عليه الأطباء النفسيون «الاكتناز القهري» حين يصل الشخص إلى حد عدم قدرته على التخلص من الأشياء أياً كانت درجة تفاهتها، تتحول معها منازلهم إلى فوضى عارمة تتكدس فيها شتى صنوف الأشياء عديمة الفائدة.
للمعلومة: من أشهر حالات الاكتناز القهري، الأخوان هومر ولنجلي كولير اللذان وجدت جثتاهما تحت أطنان من أوراق الجرائد والمجلات والأثاث التالف عام 1947 في نيويورك.